عادي

التلفيق عند الفقهاء(1-2)

23:22 مساء
قراءة دقيقتين
1
عارف الشيخ

د. عارف الشيخ

ورد في قواميس اللغة لفّق يلفق تلفيقاً، والتلفيق له أكثر من معنى، ومن معانيه الضم بين الأشياء لتكوّن شيئاً واحداً، انظر: «تاج العروس» و«لسان العرب».

والتلفيق في مصطلح الفقهاء كان يرد بمعنى تتبّع الرخص، أي البحث عن رأي أو طريقة أو حلّ أيسر؛ هرباً من التكاليف الشرعية، وهذا غير جائز طبعاً.

ومع ذلك، فإن التلفيق وتتبع الرخص يجتمعان من جهة، إلا أنهما يفترقان من جهة أخرى، فتتبع الرخص يكون في مسائل متفرقة ومختلفة قد تكون في الصلاة وأخرى تكون في الصيام مثلاً.

أما التلفيق فيكون الجمع بين أجزاء مختلفة ليكوّن في النهاية شيئاً واحداً كما قلنا، ويكون هذا جلياً في مثل لو قلّد أحدهم السادة الأحناف في جواز ترك الترتيب بين أفعال الوضوء، كأن يغسل الرجل قبل اليد مثلاً، ويقلد المذهب الشافعي في مسح الرأس فيكتفي بمسح ربع الرأس مثلاً بدل الرأس كله.

والترتيب والمسح كل منهما مسألة مستقلة، لكنهما في النهاية من أفعال شيء واحد هو الوضوء.

لذلك، عُرّف التلفيق عند الفقهاء بأنه الجمع بين المذاهب الفقهية المختلفة في أجزاء الحكم الواحد، انظر: كتاب «التلفيق وحكمه في الفقه الإسلامي» للدكتور عبد الله بن محمد بن حسن السعيدي ص12، و«عمدة التحقيق في التقليد والتلفيق» لمحمد سعيد الباني ص91.

ويمكن أن نعرّف التلفيق أيضاً فنقول: هو الأخذ بأكثر من مذهب فقهي في وقت واحد وفي قضية واحدة، بحيث ينتج من هذا مزج واحد لم يقل بمجموعها مذهب معين.

وإنني سمعت من بعض القضاة الشرعيين أنه يفتي في العبادات على المذهب الشافعي، وفي المعاملات على المذهب المالكي، فهل يعدّ هذا القاضي ملفّقاً؟ الراجح أن عمله هذا ليس تلفيقاً، لأنه قلّد أكثر من مذهب وفي مسائل مستقلة.

والخلاصة، أن التلفيق، كمصطلح، لم يكن معروفاً عند قدماء الفقهاء بل ظهر عند المتأخرين منهم، وحكم التلفيق على الأرجح عند الفقهاء أنه جائز رفعاً للحرج، والرسول عليه السلام قال: «يسروا ولا تعسروا».

وقبل ذلك الآية الكريمة: (..وما جعل عليكم في الدين من حرج..) الآية 78 من سورة الحج.

وعليه، فإنه يجوز للمقلد أن يسأل أكثر من مفتٍ ثم يأخذ بالأيسر، ولا يعدّ ذلك تلفيقاً، بل يجوز للمفتي أن يخرج من مذهب إمامه أحياناً إلى مذهب آخر إذا وجد مصلحة شرعية في ذلك، بدلاً من أن يجمد على رأي إمام واحد وهو يعلم أن المذهب الفقهي بني على الظنّ.

ومما يروى عن الشيخ محمد بخيت المطيعي أنه قال: مسألة التلفيق مبنية على مسألة إحداث قول ثالث، فهو يمتنع إذا تحقق أن المجموع الذي عمل به مخالف لإجماع جميع المجتهدين، انظر: حاشيته على شرح الأسنوي على منهاج البيضاوي ج4، ص630.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/mrxajrs9

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"