عادي

من يتحمل الدية؟

23:13 مساء
قراءة دقيقتين
1
عارف الشيخ

د. عارف الشيخ

يقول بعض المشككين في الإسلام: إن نظام تحمل الدية الذي فرضه الإسلام تنقصه العدالة؛ إذ كيف يجني شخص على شخص ثم يلقي وزره على أهله؟

أقول: إن الشرع إذا قال كلمته فلا اعتراض؛ لأن الله تعالى في بعض المواقف بيّن الحكمة من ذلك للرسول، صلى الله عليه وسلم، وفي مواقف أخرى لم يبينه له.

حديث مثل: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، فقال أبو بكرة: هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصاً على قتل صاحبه»،بيّن الحكمة، ولكنه في مواقف أخرى قال مثلاً: «صلوا كما رأيتموني أصلي»، أي لا تسألوا عن السبب.

وبالنسبة لتحمل العاقلة دية الجناية عن الجاني فلا غرابة في ذلك؛ لأن المجتمع القبلي كان يتطلب مثل ذلك، فلا يمنع في ظل تغير الظروف أن يصار إلى ما فيه مصلحة المجتمع اليوم.

وقد صرّح الدكتور وهبة الزحيلي، رحمه الله، في الموسوعة الفقهية بأن الدية تعود إلى القاتل، وقال بعض الفقهاء قديماً بمثل ذلك.

أي أن الدية على الجاني تقريراً لمبدأ المسؤولية الفردية؛ حيث إن كل فرد مخطئ يتحمل وزر نفسه وما تقرر شرعاً من أن العاقلة تتحمل عن الجاني الدية كان مستثنى من القاعدة العامة، والهدف مواساة القاتل ومناصرته تماشياً مع العصبية القبلية التي كانت موجودة قديماً.

وهذا إن دلّ على شيء، فإنما يدل على أن المجتمع قديماً كان متماسكاً في السراء والضراء، انظر:«الفقه الإسلامي وأدلته» ج6- ص325.

ويقول الحنفية إن نظام العاقلة تطور من الأسرة إلى العشيرة ثم إلى القبيلة ثم إلى الديوان ثم إلى الحرفة (النقابة في العصر الحاضر) ثم إلى بيت المال، والسلطان ولي من لا ولي له، انظر:«الفقه الإسلامي وأدلته» ج6- ص325.

واليوم تغيّر كل هذا أيضاً، فصار الجار لا يعرف جاره، والأخ لا يسأل عن أخيه لا في السراء ولا في الضراء، ومن ثم فإن الدية على الجاني، فليتحمل مسؤولية خطئه.

ويمكن بعد هذا القول إن الإسلام لم يشرع شيئاً من غير فائدة، وكون أننا لا ندرك العلة، فلا يبيح لنا الطعن في الدين،؛ بل ولا يزال نظام الدية في الإسلام هو الأنسب؛ إذ ليس من المعقول أن يتحمل الفقير الدية، وهنا ليس أمامه إلا أن يلجأ إلى أهله لمناصرته.

نعم... قد تتغير الصورة كما قال الأحناف، فلا مانع من أن تتحمل النقابة أو الجمعية مثلاً الدية عن الجاني، فالمهم أن المرونة موجودة والحكم يدور مع العلة وجوداً وعدماً.

العصبة عاقلة، والنقابة عاقلة، والديوان عاقلة، وبيت المال عاقلة، وأيهما أقرب إلى التطبيق للبيئة التي وقعت فيها الجناية، فهو الأنسب والعبرة بالمقاصد.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/554ysbc6

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"