حديث الحرب

00:20 صباحا
قراءة 3 دقائق

عاصم عبد الخالق

تكفي قراءة سريعة لمشروع ميزانية الدفاع الأمريكية للعام المالي 2022 للخروج بنتيجتين رئيسيتين؛ الأولى أن الصين أصبحت ولأجل غير مسمى العدو الاستراتيجي الأول لأمريكا، وليس مجرد منافس كبير. الثانية أن الحديث عن انتهاء عصر الحروب الأبدية التي تخوضها واشنطن في العالم مجرد أوهام أو وعود جميلة براقة، وأن ما تفعله الولايات المتحدة ليس مجرد تدعيم لدفاعاتها وقدراتها القتالية؛ بل الاستعداد بجدية لجولة جديدة من الحروب الأكثر شراسة. ليس ضرورياً أن تكون اليوم؛ لكنها ستحدث لا ريب في ذلك.

 التمويل الذي طلبته وزارة الدفاع «البنتاجون» من الكونجرس يبلغ 715 مليار دولار؛ لتغطية تكاليف العمليات وإعاشة وتسليح القوات. يضاف إلى ذلك تمويل بقيمة 38 مليار دولار أخرى تخصص لبرامج دفاعية، تتبع جهات أخرى غير «البنتاجون» مثل مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة الطاقة وغيرهما. بالتالي تصبح القيمة الإجمالية للإنفاق الدفاعي الجديد 735 مليار دولار، بزيارة 1.7% على العام المالي الحالي.

 اللافت للنظر عند مطالعة تفاصيل بنود الميزانية هو الإنفاق بسخاء على تطوير الترسانة النووية المتقدمة، وإحلال جيل جديد من الأسلحة الذكية والأكثر تطوراً محل الجيل الحالي. كما يسترعي الاهتمام تخصيص خمسة مليارات دولار دفعة واحدة؛ لدعم مبادرة الردع لمنطقة المحيط الهادي، وهو برنامج عسكري استحدثته واشنطن خصيصاً لمواجهة الصين والتصدي لنفوذها وتواجدها العسكري المتمدد في محيطها الإقليمي بشرق آسيا.

 التطوير الكبير الذي تخطط له الحكومة الأمريكية لهذا البرنامج يشمل نشر المزيد من الرادارات وأنظمة الدفاع الجوي، والصواريخ، والقطع البحرية، والأقمار الصناعية، باختصار فرض حصار عسكري غير معلن على الصين. قراءة ما بين سطور المشروع تشي بأن واشنطن قررت الذهاب إلى الصين وليس انتظارها. أي وأد الخطر الصيني من المنبع. يتضح كذلك أن هناك خطة دخلت حيز التنفيذ بالفعل لاستنزاف العملاق الصيني اقتصادياً باستدراجه إلى سباق تسلح غير متكافئ على نحو ما فعلت واشنطن مع الاتحاد السوفييتي.

 لا يستهدف الإنفاق العسكري الأمريكي الضخم الصين وحدها بطبيعة الحال؛ بل تمويل «بزنس الحرب» أو تجارة الحرب على حد قول الكولونيل وليام استور وهو قائد متقاعد عمل في القوات الجوية الأمريكية ثم أستاذاً للتاريخ في أكاديمية القوات الجوية قبل أن يتفرغ حالياً للأبحاث المتعلقة بالحروب. يرى استور أن بلاده تخصص ميزانيات فلكية لشن المزيد من الحروب، ولن تتوقف عن ذلك بصرف النظر عن الخطاب السياسي الذي يتبناه القادة السياسيون لاعتبارات انتخابية مفهومة.

 يؤكد الباحث أن التمويل لم يكن عقبة قط أمام مشروع الحرب على الرغم من أن الكُلفة أصبحت باهظة. وعلى سبيل المثال فإن حرب أفغانستان كلفت 2.3 تريليون دولار. بينما بلغت كُلفة الحرب على الإرهاب بجبهاتها التي شملت دولاً عدة في أنحاء العالم نحو 6.4 تريليون دولار.

 وفي تقرير نشره الأسبوع الماضي، يحدد الكولونيل استور ثلاثة أسباب لديمومة الحروب الأمريكية أو لتفسير استحالة الإقلاع عن خوضها. السبب الأول هو أنها مربحة للغاية لشركات تصنيع السلاح والشركات والوكالات المرتبطة بها. السبب الثاني هو أن الحروب هي سبب وجود البنتاجون من الأصل، والشريان الذي يمده بالحياة بكل ما تمثله الوزارة من مصالح ونفوذ، وما تضمه من كوادر وما تقيمه من علاقات متشعبة مع السياسيين والكونجرس وأصحاب المصالح والدول. لولا الحرب ما كان البنتاجون؛ لذا يقترح الباحث ساخراً استخدام اسم وزارة الحرب بدلاً من وزارة الدفاع.

 ثالث الأسباب هو أن تلك الحروب، وبغض النظر عن الأرباح التي تحققها للشركات، تدعم نفوذ الطبقة السياسية الحاكمة والمهيمنة؛ لذا أصبحت جزءاً لا يتجزأ من هيكلية السلطة في الولايات المتحدة. ويستوي في تأييدها الحزبان الجمهوري والديمقراطي بلا فرق. لا يمنع ذلك الحديث عن السلام كلما اقتضت الضرورة؛ لكن عندما تنضج الظروف التي لا يدخرون وسعاً في تهيئتها لشن الحرب الجديدة، سيكون لكل مقام مقال.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"