عالم زاد جنونه

00:45 صباحا
قراءة دقيقتين

د. حسن مدن

عاش الكاتب اللبناني ميخائيل نعيمة قرناً إلا عاماً، فهو ولد في عام 1889، وتوفي عام 1988، وينتمي نعيمة إلى الجيل الذي قاد النهضة الفكرية والثقافية في بلاد الشام، وبلغ شعاع نوره ديار العرب الأبعد. درس في روسيا، يوم كانت قيصرية، وهاجر إلى أمريكا، وكان ضمن من أسّسوا «الرابطة القلمية في المهجر»، معيّة جبران خليل جبران، وآخرين، ومع أنه حصل على الجنسية الأمريكية، إلا أنه آثر العودة إلى وطنه لبنان، وفيه توفي.
ومِن بين ما صدَر لميخائيل نعيمة كتاب حمل عنوان: «النور والديجور»، والديجور نقيض النور، فهي الظلمة، ويقال ليلة ديجور، أي شديدة الظلمة، وأن يجمع كاتب بين نقيضين في عنوان كتاب، خاصة إذا كان كاتباً كبيراً متمكناً كما هو ميخائيل نعيمة، فإنه لا يفعل ذلك ضرباً من التسلية، أو اللعب على الألفاظ، أو بها، وإنما ليبسط خريطة التناقضات في الحياة التي نعيش، ويخلص إلى أن أمام البشر خيارين؛ إن أرادوا النجاة فإن طريق النور واضح، وعليهم السير فيه، وإن خالفوا الفطرة السوية، واختاروا السير في طريق الديجور سيكون المآل: الخراب والهلاك.
هذا ما حرص نعيمة على أن يقوله في كتابه، وفي مجموع ما كتب، ولكي نعرف أين نحن اليوم من الثنائي الذي عنه كان عنوان الكتاب، في النور أم الديجور، حسبُنا أن نشير إلى مقالٍ فيه، عنوانه «عالم جنّ جنونه»، وهو الذي استوحينا منه عنوان مقالنا هذا، والمكتوب يعرف من عنوانه، كما يقال، فلا يمكن لعالم جنّ جنونه أن يكون في طريق النور، وإنما على النقيض، سائراً في طريق الديجور.
ولأن كتاب نعيمة هذا هو مجموعة مقالات، لا بدّ أن تكون كُتبت في فترات مختلفة، فإننا لا نقطع بالتاريخ الذي كتب فيه هذا المقال، ولكن في مطلق الأحوال مضت عقود على ذلك، ولا نعلم إذا كان مثار دهشة أو استغراب أن العالم المجنون ما زال مجنوناً، بل ازداد جنوناً.
قبل أيام كنا شهوداً على حدثين مهمين، الأول هو لقاء قادة مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى في كورنوال ببريطانيا، الذين ناقشوا، على ما قيل، قضايا المناخ، ومواجهة جائحة «كورونا»، والتوزيع العادل للقاحات، وبالطبع صراعهم التقليدي مع ما يحسبونه قوى منافسة لهم، الصين وروسيا، وتلى ذلك، مباشرة، لقاء بين رئيس الدولة الأهم في مجموعة السبع، أي الولايات المتحدة، مع رئيس روسيا، واحد من الخصمين، اللذين تجري، غربياً، وبعناية مدروسة شيطنتهما، من دون أن يرشح شيء عما إذا كان الزعيمان اتفقا فعلاً على كبح الجنون.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"