عادي

الإبداع خارج الصندوق

23:49 مساء
قراءة 6 دقائق

** استطلاع: نجاة الفارس
ما هو النص المفتوح الذي كثر الحديث عنه مؤخراً؟، وهل هو تعبير عن أزمة ما في الكتابة، أم تعبير عن أزمة في المعايير النقدية ؟، يذهب عدد من الكتاب والنقاد إلى أن النص المفتوح من المصطلحات الملتبسة الغامضة، فالنص المفتوح متمرد يجمع بين أكثر من جنس أدبي ولا يخضع لمقاييس أي جنس منها رغبة في التحرر، وسعياً دائماً من الشعراء نحو التجريب والتجديد.

أكد كتاب ونقاد ل «الخليج» أن الإبداع الحقيقي يفرض قالبه الخاص بإرادته المحضة شعراً أو قصة أو رواية ليكوّن وهجه المتفرد والقادر على بث الدفء والمتعة الحسية في النفس الإنسانية، وليس من المهم أن ننشغل بتجنيس النص، فالنص الأدبي يحمل قيمته في مضمونه وليس في شكله.

الصورة
1

الدكتور شعبان بدير، ناقد وأكاديمي، يقول: «النص المفتوح هو أحد المصطلحات الأكثر تداولاً في النقد الأدبي الحديث وأكثرها التباساً، وظهر لأول مرة في كتاب «الأثر المفتوح» للكاتب الإيطالي أمبرتو إيكو عام 1958، حيث استخدمه في تحليل نصوص سردية وليست شعرية لجيمس جويس، عدّها نصوصاً مفتوحة، والنص المفتوح مشتق كذلك من تمييز رولان بارت في تفريقه بين مصطلحي النص «المقروء» و«المكتوب» على النحو المبين في مقالته عام 1968، «موت المؤلف»، ويسمح النص المفتوح للقراء بالتفسيرات المتعددة، ويخضع للتحليل السيميائي (دراسات العلامات أو الرموز)، وتنوع الصعد السيميائية التي ينتمي إليها من قراءات لامتناهية وتأويلات غير محدودة، ويعتبر هذا المصطلح من الأساليب النقدية التي استحدثت بعد البنيوية، والتي تمدح دور القارئ في تفسير النصوص تفسيراً متعدداً، حيث يقرأها في كل مرة بشكل مختلف اعتمادًا على حالته العاطفية ونظرته للعالم السياسي، ويأتي في مقابله النص المغلق والذي يقود القراء إلى تفسير واحد هادف ومقصود».

ويضيف الدكتور بدير: «إن النص المفتوح نص متمرد يجمع بين أكثر من جنس أدبي ولا يخضع لمقاييس أي جنس منها رغبة في التحرر وسعياً دائماً من الشعراء نحو التجريب والتجديد حتى إنه يطيب لبعض النقاد أن يتصور أن الكتابة الأدبية مرت بثلاث مراحل: (كتابة أجناسية) و(كتابة عابرة للأجناس) و(كتابة منفلتة عن التجنيس)، وهذا الانفلات هو ما يمكن أن نطلق عليه الانفتاح».

حجر الزاوية

الشاعر والقاص أحمد عبد القادر الرفاعي، يقول: «يمثل وجود نقطة الانتهاء في العمل الأدبيّ شكلًا ومضمونًا أو عدم وجودها حجر الزاوية الذي يُعتمَد عليه في توضيح مفهوم النص المفتوح، وكذلك لا يجب أن نغفل عن سيميائيّة النص من حيث تعدد الدلالات للمدلول الواحد ذاتيًّا وموضوعيًّا، الأمر الذي يجعله قابلًا لتأويلات جمّة تنداح فيها التفسيرات الممتدة في سبيل تجاوز الثبات والركود النصيّ».

ويتابع: «النص الأدبيّ المفتوح أشبه بشكل هندسيّ منظّم إلا أنّه متعدّد المشارب متفرّع الأفكار متشعّب النتائج يحملنا إلى فضاءات بصريّة وسمعيّة وذاتيّة وموضوعيّة وشكليّة ومضمونيّة لا تُحدّ ولا تُعدّ ؛ وفي طبيعة الحال هذا ديدن الإبداع وجوهره. فكلّ عمل إبداعيّ هو نص مفتوح ينوء بنفسه عن الأدلجة النقديّة والسياقات المحددة ومعايير الجودة والرداءة الاستباقيّة والمنهجيّات المرتبطة بأشكال وأجناس أدبيّة سابقة، وسواء حكمنا على العمل الأدبيّ أنه نتاج ذاتي أم وسائطيّ بين الكاتب والقارئ فهو منظومة رمزيّة سيمائيّة في المقام الأوّل لا يمكن أن يخلو في أي حال من الأحوال من دوائر الدوال والإيحاءات والتداخلات بين الرؤى المتعددة والنظريات المتجددة».

ويلفت الرفاعي إلى أن النص الأدبيّ يجب أن يكون مفتوحاً من وجهة نظر دلاليّة رمزيّة سيمائيّة علاماتيّة، ومن الجور في مكان ربط هذا المصطلح بالنظرة الحداثيّة فالتأويلات المتعددة والدراسات الرائدة للنتاج الأدبيّ القديم يقودنا إلى القول إن النص المفتوح بمفهومه الحديث بلاغة قديمة أُعيدت صياغتها نقديًّا وما هذه الزوبعة المصطلحيّة حول المفهوم ذاته إلاّ رد فعل طبيعي لانفتاح النص المتجدد بفعل التأثر والاحتكاك وسعة الثقافة.

فيض سحري

الكاتبة هبة مقدم، تقول: «الإبداع الحقيقي يفرض قالبه الخاص بإرادته المحضة شعراً قصة أو رواية ليكوّن وهجه المتفرد والقادر على بث الدفء والمتعة الحسية في النفس الإنسانية، في جسد رشيق من اللغة المفعمة بالفضول والتساؤلات مرتكزة على مواطن الجمال والإبداع. ولا قدرة للنصوص المفتوحة المختصرة والمختزلة أن تحمل الهمّ الإنساني وتحلله أو تضع يدها موضع السؤال أو الألم، وأرى أن النص المفتوح وحده إن لم يستطع أن يولد كاملاً، ويترقرق في مجرى قصصي أو روائي أو يتلاطم في موج الشعر فهو آنيّ وقتي ومبني على الادعاء والمجد الباطل وشهوة الكتابة بذاتها وليس لذاتها، وهو بذلك أزمة عند الكاتب ولذلك لن يقترب النقد بمعاييره الثابتة من النصوص المفتوحة التي ما تبرأ أن تختفي عن السطح، ولا تعد أبداً أزمة في المعايير النقدية، بل في الإطار غير المكتمل وغير الناضج لهذه النصوص، وربما هناك نصوص مفتوحة فريدة ولكنها نادرة استطاعت أن تأخذ مكانها في ذاكرة التاريخ ك«رسالة الغفران» لأبي العلاء المعري، فلا هي قصة ولا سيرة ذاتية ولكنها باقية إلى يومنا هذا».

مستوى جديد

الدكتور الفارس علي مترجم وأكاديمي، يقول: مصطلح النص المفتوح من المصطلحات الملتبسة الغامضة، حيث تتراوح دلالته بين اتجاهين؛ أحدهما: يبشر بمستوى جديد من النصوص ينأى بنفسه عن كل التوصيفات والتصنيفات المعروفة وهو قفزة على جميع الأجناس، فهو كتابة تزحزح الرتابة التي هيمنت على الأجناس الأدبية، ومن الآراء الرائدة لهذا المصطلح كان على يد ناقد وفيلسوف وروائي إيطالي هو إمبرتو إيكو الذي استخدمه في تحليل نصوص سردية، والاتجاه الآخر يركز على استخدام هذا المفهوم في صيغة خلخلة شاملة للمضمون الموضوعي لأي نص بغض النظر عن شكله إلى حد يجعل أي نص أو قول أو كلام مفتوحاً على قدر من التأويلات متعددة بتعدد قراء هذا النص، وفقاً لهذه الرؤية فإن انفتاح النص على حدود القراءة والتأويل بلا نهاية، بما يهدد بطريقة ما تماسك النص نفسه، وخلخلة (بالأحرى العبث ب) الكثير من مسلماته الحقيقية، من ثم جاءت معظم النصوص، بهذا المعنى، نصوصاً مفتوحة، على آفاق لا محدودة تاركة مجال التأمل واسعاً، دون حدود أو قيود أو عوائق، فدلالة النص وأثره النفسي تختلف بحسب المتلقي من النقيض إلى النقيض أحياناً، وهو أمر يمكن التماسه بقوة في تأويل الأعمال الأدبية العظيمة «أولاد حارتنا»، حيث يذهب نقادها، بل قراؤها عامة، فيها مذاهب شتى بألوان قوس قزح، إلى الحد الذي يمكن معه القول: إن المعنى لم يعد في بطن الشاعر، بل في بطن القارئ.

نظرة كلاسيكية

الشاعر خالد البدور، يقول: يبدو أحياناً أننا نتعلق بالتسميات أكثر من العمل الأدبي نفسه، فالنظر إلى النص الأدبي من منطلق التصنيفات التي تقدم له، هذا شعر أو قصة أو رواية هي نظرة كلاسيكية معروفة وسائدة بين النقاد، وهناك ملامح قصصية في الكثير من قصائد الشعر، وهناك أجواء شعرية في الكثير من الروايات، وهناك كتاب يصعب تصنيفهم مثل جبران خليل جبران ومثل مصطفى لطفي المنفلوطي. النص المفتوح هي صفة يطلقها النقاد على الأغلب ولا علاقة للكاتب فيها، بمعنى أن الكاتب عندما يجلس ليكتب سواء كان شاعراً أو روائياً لا يفكر في تجنيس النص وإنما يفكر في ما يود أن يقوله بغض النظر عن الشكل الذي يختاره، فهذه الصفة «النص المفتوح» لا تحدد القيمة الأدبية للنص.

ويوضح البدور: في عالم الأدب اليوم تم اختراق الأجناس الأدبية، وتم اختراق الشعر ووجدنا نصوصاً طويلة وكأنها نثرية ولكن كاتبها شاعر حتى شكل النص فكأنه قصة طويلة، كذلك وجدنا الكثير من كتاب الرواية يضمنون الأجواء الشعرية في لغتهم السردية، فوجدنا السرد ينحو منحى شعريا وكذلك وجدنا شعرا له جانب سردي، كما في بعض القصائد الطويلة التي يمكن أن نسميها ملحمية، بالتالي أعتقد أن صفة النص المفتوح أو قصيدة النثر أو القصيدة الحرة، هي مسميات يطلقها النقاد للنظر النقدي في النص، أما بالنسبة للكاتب فإنه يعمل من خلال ما يختاره ويخرج النص بالشكل الذي يريده لذلك ليس من المهم أن ننشغل بتجنيس النص، فالنص الأدبي يحمل قيمته الأدبية في موضوعه وليس في شكله.

لعبة الاحتمالات

يقول الدكتور شعبان بدير: «تسلل مصطلح النص المفتوح إلى النقد الأدبي العربي مع موجة الحداثة في الستينات من القرن الماضي ومع قصيدة النثر التي تعد الأب الروحي لهذا النص، والذي يختلف عن قصيدة النثر في عدم التزامه بنمط السطر الشعري، وبدلاً من ذلك يتخذ شكل لغة السرد المتدفقة، حيث أراد شعراء تلك الحقبة كتابة النص المفتوح ليطل على مستويات مختلفة فهو يوحي أكثر مما يقول، يصدم أكثر مما يوافق، يحاول أن يمزج في داخله الفكاهة باللوعة والواقعي بالسحري والمعنى باللامعنى مثل لعبة مفتوحة على آلاف الاحتمالات نظل نلعبها حتى النهاية؛ حيث كتب الشعراء في تلك الفترة قصائد ذات طابع عدمي بمعنى أنها منفصلة عن الحياة والإنسان لصالح الهروب من الحياة بسبب المواقف الأيديولوجية المختلفة آنذاك، مما يفتح باب التأويل والقراءات على مصراعيه، مما جعل بعض النقاد يشبه النص المفتوح بكتابات «النفري» في كتابه (المواقف والمخاطبات) الذي يمثل نموذجاً تراثياً للنص المفتوح القابل للتأويلات».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"