عادي

هيدجر والنازية.. علاقة ملتبسة

22:40 مساء
قراءة 3 دقائق

ثمة علاقة وثيقة بين الفلسفة والسياسة، وكان القدماء يعتقدون أن الفلسفة هي فن الحياة، وأنها تعلمنا أن نوجد في الكون، ونتعرف إلى الأسباب الطبيعية وعناصر الوجود، حيث يكون في الإمكان تغيير حياتنا وفقاً للحقيقة، الفلسفة هي واقع أولئك الذين يعيشون ما يقولون ويفكرون، وفقاً لما يعيشون، فالفيلسوف الذي يزعم أن حياته لا تهم تفكيره، أو أن لا علاقة لها بفكره واهم.

يشير د. عبده كساب في كتابه «هيدجر والنازية» إلى أسماء معينة لفلاسفة كرسوا جهدهم لنقد العصر الحديث، بمعنى نقد النظم السياسية تحديداً، فلم تكن فلسفة كارل ياسبرز قاصرة على الحيز الأكاديمي الضيق، وجورج لوكاتش يمكن أن نضع فلسفته في إطار صراع سياسي، وفلسفة كارل بوبر كانت موجهة ضد أعداء المجتمع المفتوح، وأخيراً فلسفة جان بول سارتر بعد قمع أحداث مايو في باريس واحتلال براغ، مالت إلى العنف والاعتراض ضد التحولات القائمة.

كيف تكون علاقة الفلسفة بالسياسة خصوصاً أن هذا الكتاب مكرس لمناقشة علاقة الفيلسوف هيدجر بالنازية، ومسألة الانتماء للنازية لا تعد في الواقع مجرد واقعة عادية، تتعلق بالسيرة الذاتية للفرد، لأن النازية لا يمكن مقارنتها بأي نظام سياسي في العالم، فهي قطيعة مع السياق الحضاري الذي يؤدي إلى تكوين عالم الثقافة، فكيف نشأت علاقة هيدجر بالنازية؟

1
مارتن هايدجر

قبل عام 1962 لم تخرج قضية انتماء هيدجر إلى النازية عن حيز الأوساط الأكاديمية، وكان ينظر إلى فلسفته آنذاك على أنها بداية جديدة للفكر الأوروبي، فكر تقويضي لتراث الحداثة، وكان ينظر إلى خطابه الفلسفي على أنه خطاب مستقل داخل سياقه الفلسفي الخاص، وكانت مسألة انتمائه إلى النازية معروفة، فقد كان عضواً في الحزب عام 1932 عندما كان مديراً لجامعة فرايبورج، لكن القضية الأساسية التي شغلت الجميع هي فلسفته ذاتها، هل تعبر عن فلسفة الحزب النازي؟

بدأت المسألة بعد عام 1962 مع نشر كتابين هما «قراءة في هيدجر» و«هيدجر والنازية» وقد تضمنا وقائع ووثائق شغلت الرأي العام، فبورديو تبنى القراءة البنيوية لتحليل الخطاب الفلسفي، واصفاً فكر هيدجر بالملتبس، أي الذي يظهر خلاف ما يبطن، ظاهره شيء وباطنه شيء آخر، فإذا كان ظاهره فلسفياً فإن باطنه سياسي.

نزعة راديكالية

نشأ مارتن هيدجر (26 سبتمبر 1889 – 26 مايو 1976) في بيئة اتسمت بالعنف والنزاع المستمر بين الكاثوليك والكاثوليك القدامى، وكان هذا أول مكون أيديولوجي يتعلق بالمناخ الروحي والسياسي، الذي تشبعت به طفولته، فقد جنى هذا الصراع ثماره تلك من التجارب المؤلمة التي تحملها الأطفال في تلك الفترة، عندما نظر الأطفال بسخرية إلى الفارق بينهم وبين زملائهم من الكاثوليك القدامي، الذين كانوا أكثر غنى ورفاهية.

كان ذلك أول الموضوعات التي أثارت اهتمام هيدجر، إذ كان ينتمي إلى أسرة كاثوليكية، ووالده كان خادماً في الكنيسة، ووالدته بنت مزارع فقير، وكانت دراسته باستمرار قائمة على منحة من أحد الأمراء، وكانت النتيجة المحتومة لهذا النزاع الديني، العداوة الاجتماعية.

حدثت تحولات في تفكير «هيدجر» تغيرت بناء عليها نظرته إلى النازية، فقد كان يرى أن أجهزة الدعاية التابعة للدولة النازية أشبه بميتافيزيقا بديلة عن ميتافيزيقا الوجود، لكنها ميتافيزيقا صاخبة تعبر عن العدمية الكبرى، وحتى الدعاية التي يقوم بها الشعب تقع في ذلك السياق، من هذه الزاوية فإن النازية تعبير عن خراب العالم وتدمير الأرض.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"