عادي

متاهة التأويل

10:31 صباحا
قراءة دقيقتين
القاهرة: الخليج
لا يعد التأويل نظرية متعالية بقدر ما هو تساؤل عن الوجود من حولنا، تساؤل تفرضه حالة حضورنا المبهم في العالم، فهو قديم قدم الفكر ذاته، باعتبار أن أولى لحظات لقائنا بالواقع تفرض أشكالاً من التصور، وبالتالي تحيل إلى ضرورة الإدراك والفهم والقراءة ومن ثم التأويل، ولأن التأويل يتخذ طابعاً خلافياً باختلاف التصور وأداة التفسير وقراءة المعنى، فإن دروبه تتشعب بين مختلف الاتجاهات التي لا سبيل إلى حصرها، كالفقه، والفلسفة، وفلسفة اللغة بمختلف تياراتها، وكذا الأدب والفن، وغيرها من حقول المعرفة، التي تقتضي حضور التأويل قراءة للتجربة الرمزية، ومن هذا الباب يتزايد الاهتمام بالتأويل في ظل تعدد الرؤى واختلاف المقاربات النقدية على صعيد الثقافة المعاصرة.
يشير هذا الكتاب الصادر عن منشورات ضفاف والاختلاف، وعنوانه «أمبرتو إيكو.. في نقد التأويل المضاعف» لسعيدة خنصالي، إلى أنه لم تكن تقاليد الفلسفة الأوروبية حول طبيعة المعنى وإمكاناته تنحصر في مدرسة بعينها أو في رؤية موحدة، بقدر ما كانت فسحة للنقاش والتطوير والتجديد، لذلك لم يتوان أمبرتو إيكو الفيلسوف والأديب الإيطالي عن مواجهة كل الأطراف المعاصرة، التي تشجع على فوضوية المعنى وانفلات التأويل من غاياته المثلى، ولأجل هذا، وبعد تأملاته حول طبيعة التأويل وصوره، شرع إيكو في التنظير للممارسة التأويلية، مسجلاً بذلك كل الآفاق التي تأخذ بيد التأويل نحو الحدود المانعة التي تنظمه وتعدله وتضبط شرارته منهجياً أو معرفياً.
مع إيكو– كما توضح خنصالي– يجد الباحث نفسه مدعواً لتصحيح بعض المضامين المعرفية والمنهجية داخل الممارسة التأويلية المعاصرة، هذه المضامين التي ستتخذ معه أبعاداً مغايرة، حيث يعاد اكتشاف المتاهة التأويلية اكتشافاً جديداً بعيداً عن الصورة النمطية التي قد تعلق بذهن الباحث، لتتحول هذه المتاهة إلى واقعة عالمية، وتصبح الدلالة من حيث هي القالب الذي تتقدم فيه تلك المتاهة، وسيلة لفضح معوقات التأويل وإفرازاته اللانهائية.
ولأن التأويل يتجاوز بطبيعته الظاهر لينفذ إلى أغوار اللفظ، كانت ممارسة متجددة تعمل على إحياء وبث الحياة في كل مال يتوق إليه التحليل والتفسير، ما يجعل من شبهة الذاتية وسوابق الأحكام تترصد كل ممارسة من هذا النوع، فكانت غاية إيكو أصيلة في مد العون للتأويل وإنقاذه من الإفراط والغلو، هي مهمة كانت منوطة بفضح بقايا الزمن القديم، التي تحول دون التواصل على المستوى الفلسفي.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3jxcps9p

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"