لا تنسَ أن تعيش

01:00 صباحا
قراءة دقيقتين

عدت أنا ورفيقة دربي من حفل زفاف مستقلين سيارتنا، تماماً كما حدث في ليلة زفافنا التي كانت من أجمل أيام حياتنا، لكننا اليوم نعود من حفل زفاف آخر العنقود: ابنتنا الحبيبة.
في المقابل فقد تزوج أبناؤنا وبناتنا منذ بضع سنوات، وأول حفيد مُقدم على التخرج قريباً في الكلية العسكرية، تماماً مثلما كان حال أبيه وجده.
كل تلك السنين مرت وكأنها مجرد ثوان معدودات تُعرض على شريط الذاكرة المملوء بالذكريات، فتذكرت كم أخذ العمل من وقتي، وكم كنت منغمساً ومشغولاً بمتطلبات الوظيفة والأعمال الخاصة، حيث كنت حتى أثناء جلوسي في البيت أو خلال قضائي لإجازة برفقة عائلتي، مجرد جسد بين أبنائي، بينما كان عقلي يحوم في عالم المال والأعمال.
تذكرت أيضاً الكثير من الليالي التي كنت أعود فيها إلى المنزل متأخراً، لأطبع قبلاتي على جبين كل واحد من أفراد الأسرة عندما كانوا يغطون في نومهم، كما عادت بي الذاكرة إلى الوقت الذي كنت أرجع فيه مبكراً إلى المنزل فأنشغل بأعمالي الخاصة. وكانت زوجتي الحبيبة قبل أن تأخذ أطفالنا إلى غرفة النوم، تقول لهم: قبّلوا والدكم، فكنت أقبلهم على عجالة. وبعد أن يذهبوا إلى النوم كنت أحدث نفسي على الدوام: غداً أتفرغ للجلوس معهم، لكن ذلك الغد لم يأتِ أبداً.
فها أنا إلى اليوم لا أجد متسعاً من الوقت لأجلس مع أسرتي، بعد أن مرت السنون بسرعة خاطفة. وها أنا أعود من الزفاف بعد أن سلّمت ابنتي الصغرى إلى حياتها الجديدة، قبل أن أقضي معها ما يكفي من اللحظات الجميلة.
إن تجربتي والحب الذي أحمله تجاه أبنائي، يوجب علـيّ أن أنصح الجميع بأن يعيشوا تفاصيل حياتهم الصغيرة ويستمتعوا بكل لحظة فيها مع أسرتهم وأبنائهم، فتشاركهم كل شيء: اللعب والقراءة والفرح، وخيبات الأمل ولحظات النجاح.
عِشْ الحياة لحظة بلحظة فالقطار يمر مسرعاً، ولا تدع عملك مهما كان، ولا طموحاتك مهما علت، أن تسرق من بين أحضانك أكثر اللحظات قدسية؛ تلك اللحظات التي يمكنك أن تقضيها إلى جانب من تحب، والتي لا يمكن تعويضها أبداً. فاليوم الذي ينقضي لن يعود إلى آخر الدهر.
عش يومك، ولا تنسَ في طريقك للبحث عن حياة، أن تعيش واحدة هي بين يديك الآن. فالحاضر هو كل ما نملكه، أما المستقبل فحلم غير ملموس، ولا شيء أثمن في الحياة من مشاركة الحياة بكل تفاصيلها الصغيرة مع مَن نحبهم.
وفجأة رنّ المنبه فاستيقظت من نومي، وحمدت الله على أن كل ما فات كان حلماً، ورفعت يدي بالدعاء إلى الله أن يُقدِّرني على تعويض كل ما فات لعائلتي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"