عادي
لاتعمق في أفلام الحرب ولا «الأكشن»

«ذا كينجزمان».. فيلم يرقص على السلالم

21:49 مساء
قراءة 5 دقائق

مارلين سلوم

هل أراد المخرج ماثيو فون، أن يعود بعقارب الساعة إلى الوراء، وبدلاً من استكمال وتطوير أحداث فيلميه السابقين من سلسلة «كينجزمان»، («الاستخبارات السرية» 2015 و«الدائرة الذهبية» 2017)، قدم في ختام 2021 فيلمه الثالث «ذا كينجزمان» الذي يعرض في الصالات، ليحكي بداية انطلاقة هذه المنظمة أو الوكالة الاستخباراتية البريطانية والتي تحمل شعار «رجل الملك»، من أين انطلقت ومتى؟

فيلم لعِب على السلالم، فلا طال عمق وجديّة أفلام الحرب العالمية الأولى، ولا تعمّق في «الأكشن» والروح «الجيمس بوندية»، مع خفة الظل التي نجح بها في الفيلمين السابقين؛ ورغم ذلك امتلك الأسباب الكافية للنجاح، بل والتميز في بعض المشاهد الإخراجية الرائعة.

منذ عام 2019 و«ذا كينجزمان» جاهز ومستعد للمثول أمام الجمهور، لكنه راح يتأجل وتتغير مواعيد انطلاق عروضه في الصالات العالمية، ففي المرة الأولى تأجل من نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 إلى فبراير/ شباط 2020، ثم إلى سبتمبر/ أيلول من العام نفسه، بعدها قيل إنه سيرى النور في فبراير/ شباط 2021، وتأجل إلى أغسطس/ آب، ولم ينطلق فعلياً إلا في أعياد الكريسماس وختام 2021.

فيلم «الأكشن» المصنف كوميدياً ومغامرات أيضاً، يشجعك على المشاهدة لأنه يحمل توقيع مخرج سبق أن ذاق طعم «الأوسكار»، بجانب جوائز عالمية أخرى وكثيرة: ماثيو فون، وهو كاتب القصة بالمشاركة مع كارل جاجدوسك، ولأنه يستكمل به سلسلة أفلامه التي نالت نصيباً وافراً من النجاح. المفارقة أنك وأنت تشاهد هذا العمل، تحاول ربطه في ذهنك بما سبقه من السلسلة، لتجد نفسك فجأة أمام نسخة مصغرة من فيلم آخر لا علاقة له بطبيعة السلسلة والروح الكوميدية والجاسوسية الخفيفة الخارجة عن الواقع والمنطق، مشاهد كأنها مقتطعة من فيلم «1917» للمخرج سام مانديز الذي نال جوائز أوسكار.

عودة إلى جنوب إفريقيا

المفروض أن يحكي «ذا كينجزمان» عن رجال كانوا في خدمة المملكة المتحدة البريطانية، ونشأة منظمة، أو «وكالة رجل الملك» (كينجزمان) الهادفة إلى الحفاظ على السلام وتفادي الحروب، وعملها سري استخباراتي من أجل حماية الملك والمملكة. من هنا انطلق ماثيو فون بأحداثه، فعاد بنا إلى عام 1902 في جنوب إفريقيا ليختصر نظرته «للاستعمار البريطاني» بمشهد في معسكرات الاعتقال، حيث ساد الظلم وتسبب بإصابة الدوق أورلاندو أوكسفورد (رالف فينيس)، ووفاة زوجته إميلي (ألكسندرا ماريا لارا)، المحبة للسلام والعاملة مع زوجها على تقديم المساعدات للفقراء والمحتاجين، وبقي المشهد محفوراً في ذهن ابنهما كونراد الذي نراه بعدها مباشرة وقد أصبح شاباً وسيماً بعد مرور 12 عاماً، (يجسده هاريس ديكنسون). يتعهد أورلاندو لزوجته بألا يدع ابنه ينخرط في أي حرب، وأن يبعده عن العنف والقتل، لكن الشاب يشعر بالغضب بسبب هذه المعاملة و«الحماية الزائدة»، ويرغب في التطوع من أجل خدمة الوطن. حتى الآن تمشي الأحداث كأنها سرد لقصة اجتماعية، تميل إلى المغامرات أحياناً، وأجواء الجاسوسية الخيالية غير القاتمة، لكنها تنحرف رويداً رويداً نحو السياسة الواقعية، فيتوه المشاهد بين تصديق ما يراه أمامه، هل هو مجتزأ من أحداث تاريخية حقيقية، أم أنه يستند إلى الحرب العالمية الأولى بالشكل العام فقط، ويفصّل المضمون والشخصيات السياسية والتاريخية على مزاجه؟

أحياناً يرتدي زي السياسة الجادة، ويقدم مشاهد مؤلمة للحرب، ويقف مع الجنود على الجبهة وفي الخندق ويخوض معركة شرسة في مواجهة العدو الألماني، ويفتح ملفات مؤامرات تمت حياكتها لإسقاط القيصر الروسي بعد محاصرة بريطانيا ومنع تحالفها مع أمريكا، وإقناعها بالانضمام للحرب.. لا تفهم لماذا يريد فون خلط الحابل بالنابل، فما إن تترك لمشاعرك حرية الانسياق خلف المشاهد المؤثرة والعميقة والتفكير بجدية في ربط الأحداث بشخصيات تاريخية حقيقية، خصوصاً أن المؤلفين يركزان على نقاط مهمة مثل الخسائر البشرية التي تتكبدها الدولة في الحرب، وأجيال من الشباب سقطت، فضلاً عن حديثه الحقيقي والمرير عن الاستعمار وأضراره، حتى يصدمك بمبالغات على طريقة جيمس بوند الاستعراضية، مع بعض المواقف الهزلية والكوميدية.

صدمة

في كل مرة يؤكد صناع هذه السلسلة أنهم متأثرون وبشدة بسلسلة العميل السري «007» جيمس بوند، والأدوات والتقنيات التي يستخدمها، وأسلوبه في القتال والمغامرات والمطاردات، براً وبحراً وجواً، والأناقة في الملابس، علماً بأن «كينجزمان» هو اسم محل البذلات الرجالية الذي يلتقي فيه سراً أعضاء هذه الوكالة. يخرجون عن الأسلوب التقليدي في أفلام الجاسوسية بزيادة جرعة المواقف الكوميدية، لذا يصدمنا صناع «ذا كينجزمان» هذه المرة بحدث مؤلم لا يتوقعه الجمهور أبداً، يغوص أكثر فأكثر في عمق الجرح الذي تسببه الحرب، ويتعمد ذلك في محاولة للمس قلوب المشاهدين فتصلهم الرسالة بشكل عملي وواقعي، بأن الحرب ليست لعبة، وأضرارها وعواقبها وخيمة، ولا ينفع بعدها الرجوع إلى الوراء أو تغيير أي شيء.

يختلف هذا الفيلم عن أعمال «جيمس بوند» في أنه يركز على المؤامرات والتجسس، أكثر من تركيزه على الأدوات والتفجيرات وإبهار الجمهور بالتقنيات الحديثة. البطولة للنجم رالف فينيس الذي يليق به أن يؤدي دور «جيمس بوند»، ويصل بأدائه إلى مستوى أعلى في بعض المشاهد التي لا تحتاج إلى مجهود كبير. يؤدي دور الرجل الذي أسّس الوكالة، ومعه ريس إيفانز الذي تألق بدور الكاهن راسبوتين، وتوم هولاندر الذي لعب ثلاثة أدوار: الملك جورج (في بريطانيا)، وابن عمه القيصر فيلهلم (في ألمانيا)، وابن عمه الثاني القيصر نيكولاس (في روسيا). فضلاً عن مساعدي أوكسفورد في تأسيس شبكة التجسس الخاصة به ومن داخل منزله، شولا (دجيمون هونسو) وبولي (جيما أرتيرتون)، وهما يتنكران بالعمل كخادمين لديه، ودورهما أساسي وقوي في الفيلم.

ساعتان وعشر دقائق تتمايل بين الجد والخيال، وتتخللها لقطات يتفنن فيها المخرج بمشاهد شديدة الجمال، مثل مشهد معركة راسبوتين مع أوكسفورد، وابنه كونراد، وشولا، مقطوعة من الباليه الكلاسيكي مع موسيقى وتصوير وإيقاع وقفز في الهواء، وكاميرا لا تهدأ تلتقط كل تفصيلة من مختلف الزوايا، من أعلى الغرفة إلى أسفلها وتدور فيشعر الجمهور بأنه يتمايل على نفس النغمات والإيقاع والرقص، رغم أنها معركة شرسة لا بد أن تنتهي بقتل أحدهم. يمكن القول إن المشهد هو الأكثر تميزاً في العمل سواء من ناحية الإخراج أو التمثيل والكوريجرافي (تصميم الرقص).

خلف الحرب العالمية يقف شخص واحد لا نكتشف هويته إلا في آخر الفيلم، يحرك العالم من فوق جبل بعيد ويدير شبكة من الجواسيس والقتلة من بينهم راسبوتين، ولا يقضي عليه سوى البطل الذكي أوكسفورد، لتولد من تلك اللحظة الوكالة الاستخباراتية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"