نحب الشتاء ولكن..

00:01 صباحا
قراءة دقيقتين

في كتابه «في حضرة الغياب» كتب محمود درويش: «للحنين فصل مدلل هو الشتاء.
يولد من قطرات الماء الأولى على عشب يابس، فيصعد زفرات استغانة أنثوية، عطشى إلى البلل، وعدٌ بزفاف كوني هو المطر».
الشتاء، هذا الفصل الذي يؤجج المشاعر كما النار في الحطب، مشاعر السعادة حين تجتمع عائلة كانت تشعر بالضجر، أو الحزن، أو البرد، حول موقد نار في باحة المنزل، أو وسط حديقة، أو في الصحراء، يجتمع أفرادها والفرح يرقص على وجوههم، وصوت النار وهي تفرقع الخشب فيتطاير الشرر ويطربهم كأنه الموسيقى. يؤجج مشاعر القلق على الأحبة حين يقتحم أجسادهم مرض غير مرحّب به، فيلازمون الفراش تعباً وبرداً وإرهاقاً، ومشاعر القلق وقلة الحيلة على أولئك الذين هُجِّروا من ديارهم لحرب، أو ثورة، أو احتلال، وسكنوا خياماً لا تتناسب وحيثيات هذا الفصل من السنة، برغم أنها كانت لا تليق بالعيش منذ بداية الهجرة.
فصلٌ يؤجج مشاعر متناقضة حين يسقط مطره؛ فتفرح القلوب أشد الفرح لهطول الغيث الذي طال انتظاره، ويفرح الزرع به كما تفرح الحيوانات، لكن العقول تتوقف قليلاً حزناً على أصحاب البيوت الآيلة للسقوط حين يجرف المطر الشديد أسقفها، أو حين يغرقها ماؤه، فتغدو طاردة لأبنائها حاضنة للبعوض.
يؤجج هذا الفصل الحنين، حنيناً للياليه الجميلة الغابرة، حنيناً لمن كانوا معنا يوماً، وغادرونا رحيلاً طوعياً، أو موت، أو فراقاً غير مقصود، نحنّ لمن شاركونا فرحنا بالمطر، لمن كانوا معنا حول موقد نار، أو جلسة شواء، نحنّ لمن شاركناهم معاطف الدفء، أو مظلات المطر، أو سفر إلى بلد يكسوه الثلج، نحنّ لمن ووروا الثرى وكانوا يوماً معنا، وكما يقول درويش أيضاً: «وكنت أُحبُّ الشتاء، وأسمعه قطرة قطرة.
مطر، مطر كنداءٍ يُزَف إلى العاشق: اُهطلْ على جسدي!... لم يكن في الشتاء بكاء يدلُّ على آخر العمر.
كان البدايةَ، كان الرجاءَ. فماذا سأفعل، والعمر يسقط كالشَّعْر، ماذا سأفعل هذا الشتاء؟». نعم ماذا سنفعل هذا الشتاء من غير من رحلوا عنا، وانقضت أعمارهم وأبقونا في حنين لا يفتر؟
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"