عادي
8 سنوات على الرحيل.. وبصماته ما زالت شاهدة

عبد الله عمران.. قيم نبيلة باقية وعمق إنسانيّ حيّ

00:10 صباحا
قراءة 8 دقائق
1

إعداد: جيهان شعيب
تبقى دائماً الذاكرة حاضرة عند 30 يناير عام 2014 اليوم الذي رحل عنا القامة الدكتور عبدالله عمران تريم، رائد الفكر والثقافة والإعلام، والسياسي البارز الذي لا تزال الأعين تدمع، كلما حلّت ذكرى رحيله الذي كان مباغتاً ومؤلماً ومحزناً؛ فالراحل الكبير كان صاحب بصمات ووقفات وثوابت لا تهتز، ولم يكن عابراً في الحياة دون كلمة مؤثرة وصوت مسموع، ومواقف داخلية وخارجية، منذ حمل حقيبتي وزارتي العدل، والتربية والتعليم، فضلاً عن دوره مع شقيقه الراحل تريم عمران تريم في تأسيس الإمارات، وتأسيسهما «دار الخليج للصحافة والطباعة والنشر»، التي ترأس مجلس إدارتها عقب وفاة شقيقه عام 2002، إلى أن لحق به للدار الآخرة عقب 12 عاماً.

1

الراحل عبد الله عمران، الذي تمضي اليوم 8 سنوات على رحيله كان صدّاحاً بالحق والعدالة والشرف، والقيم النبيلة في مسيرة الحياة، ولا يزال أحباؤه وتلاميذه وأصدقاؤه ومعارفه الكثر، يحملون له حنيناً لا ينقطع وافتقاداً متواصلاً، ولا ينفكون يروون عنه الكثير من حكايات الخير التي كانت له فيها معهم أدوار طيبة، ومساندة ودعم، فضلاً عن صلبه عود هذا، وتقوية عضد ذاك، والنهوض بواقع هؤلاء، وغير ذلك الكثير، مما لا يتسع المجال لسرده، إلا أنه وفي كل ما قيل عنه هناك إجماع على أنه كان خلوقاً متواضعاً شهماً، معطاءً وكريماً، وعروبياً ووطنياً.

تاريخ حافل

وباستعادة بداية التاريخ الحافل للراحل الدكتور عبدالله عمران تريم، نعرف أنه ولد في إمارة الشارقة عام 1948، وتلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي في مدارس الشارقة والكويت، وأكمل تعليمه الجامعي في مصر، وتحديداً في كلية الآداب، جامعة القاهرة، حيث حصل على ليسانس في التاريخ عام 1966، ومن ثم الدكتوراه في التاريخ من جامعة إكستر بالمملكة المتحدة عام 1986.

1

وقبل قيام الدولة، عمل الراحل مدرساً في ثانوية العروبة، بمدينة الشارقة لمدة عامين، ثم مديراً لإدارة معارف الشارقة، من 1968 إلى1971، وأثناء ذلك كان مع أخيه الراحل تريم، من الرواد الأوائل الذين أسهموا في إقامة اتحاد دولة الإمارات العربية، حيث كان رحمه الله عضواً في فريق المفاوضات التساعية والسباعية لذلك، ثم وزيراً للعدل في أول حكومة اتحادية 1971-1972.

وفي عام 1972 تولى حقيبة وزارة التربية والتعليم، حتى 1979، وكلفه حينذاك المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، بتأسيس جامعة الإمارات، وكان أول رئيس أعلى للجامعة. كما عمل مستشاراً للشيخ زايد، وعمل خلال تلك المدة على وضع كثير من المناهج وطرائق التعليم والدراسة، ومن ثم عاد بين الأعوام 1990 -1997 ليشغل حقيبة وزارة العدل، وعمل خلال تلك المدة ضمن فريقه الوزاري، على صياغة الكثير من التشريعات التي كان لها كبير الأثر في تقويم البنية التشريعية للدولة في مختلف المجالات القانونية.

1

قضاء عادل

وفي تلك المرحلة التي تولى فيها الراحل حقيبة وزارة العدل التي كانت تعدّ الأساس في العمل القانوني، نجد بصماته شملت الكثير من الجوانب المتعلقة بذلك، حيث عمل على تطوير سير إجراءات التقاضي، وتيسيرها قدر المستطاع، وجعل القضاء محل ثقة لدى المواطنين الذين يخوضون تجربة الاتحاد لأول مرة، وعمل على تعزيز نجاح فكرته، وتدعيم أعمدته، لجعله اتحاداً قوياً متماسكاً قادراً على مواجهة التحديات، وفي ذلك عمل مع نخبة مهمة من رجال الوطن، حيث رافق رحمه الله الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير المالية في أول حكومة، وصاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، الذي شغل منصب وزير الدفاع في ذلك الوقت، والشيخ مبارك بن محمد آل نهيان وزير الداخلية، وأحمد خليفة السويدي وزير الخارجية، فيما حرص بعد انتهاء عمله في وزارة العدل، على تقديم وجهة نظره الداعمة لتحقيق قضاء عادل وشفاف ومستقل.

تطوير المناهج

أما من 1972إلى 1979، حين تولّى منصب وزير التربية والتعليم، فقد عمل جاهداً على تطوير المناهج الدراسية، وتعزيز الهوية الوطنية من خلالها، وتكريس تاريخ المؤسسين الأوائل وتراث الإمارات، والسعي لمحو الأمية وتعليم الكبار، ومحاربة الدروس الخصوصية، وتبنّى الكثير من القضايا التعليمية، واستطاع ترجمة توجيهات المغفور له الشيخ زايد، إلى وقائع ملموسة غيّرت ملامح التعليم، ونشأة أبناء الإمارات، حيث انتهجت وزارة التربية والتعليم آنذاك مسارين، هما الاهتمام بتعليم النشء الجديد، وتعليم الكبار.

القفزة الكبرى

وتمثلت القفزة الكبرى في تاريخ الراحلين عبد الله وتريم عمران، في تأسيس جريدة «الخليج» عام 1970، عقب عودتهما من القاهرة عام 1968، إذ كانا ضمن الوفد الرسمي لإمارة الشارقة في المفاوضات التي سبقت قيام الاتحاد، ففكّرا في العمل الصحفي، وكان أن أصدرا مجلة سياسية شهرية هي «الشروق»، حيث قررا مع صديقهما يوسف الحسن، التوجه إلى الكويت لطباعتها، لعدم وجود مطابع مؤهلة في الشارقة والإمارات المتصالحة، واختاروا فجحان هلال المطيري، وهو ناشر يماثلهم قومية الفكر العربي، وكان يصدر مع زوجته غنيمة المرزوق، مجلة أسرية باسم «أسرتي»، وكانا يمتلكان مطبعة حديثة، ووافق المطيري على طباعة مجلة «الشروق»، وجريدة «الخليج» لاحقاً، وتحت الحساب، إكراماً لأصحابها.

وكان تريم عمران، ويوسف الحسن يحملان في الأسبوع الأخير شهرياً، المادة الصحفية التي تكتب في الشارقة، إلى الكويت، ويعودان بها مجلة مطبوعة. ومع الصدى الطيّب والمؤثر الذي حققته المجلة بتتابع الأعداد التي صدرت منها، جاء التفكير في «الخليج»، التي صدرت يوم التاسع عشر من أكتوبر عام 1970 ومثلها «الشروق»، من تجهيز المادة الصحفية في الشارقة، وفي ظروف بالغة الصعوبة، إلى طباعتها في الكويت.

تحديات ومنغّصات

وخاضت جريدة «الخليج» الكثير من التحديات المهنية والسياسية والمنغّصات، عند خروجها للنور، فلتأكيدها عروبة الخليج، والجزر الإماراتية، تسببت في إزعاج شاه إيران، حينذاك، بشكل كبير، فحاول إغراء أصحابها بالمال، لعلمه بما يواجهونه، من كلفة كبيرة جراء إصدارها في الكويت، وشحنها بالطائرة يومياً إلى الشارقة، لكنهم رفضوا، وأصرّوا على استقلاليتها، فضلاً عن انزعاج المعتمد البريطاني في الإمارات المتصالحة آنذاك، لجرأة الخطاب القومي للجريدة، فطالب بإغلاقها، لإفسادها الجهود التي تبذلها بريطانيا في حل مشكلة الجزر، مع علمه بأنها صدرت من أجل الخليج الموحد، ووقتها ردّ أصحاب الجريدة بأن بريطانيا احتلت المنطقة نحو 150 عاماً، وجعلتها في طيّ النسيان، لا تعليم ولا صحة ولا أية خدمات، مناطق متناثرة فقط، يغمرها الفقر والتخلف، وعندما قررت بريطانيا الانسحاب، طلبت من أهلها السكوت عن جريمة ترتكبها، بتسليم جزء من أراضيها إلى شاه إيران!!

وواجهت «الخليج»، كذلك، مطالبات للحكومة الكويتية من أصحاب صحف في الكويت، بوقف إصدارها، لخشيتهم منها، وبالفعل توقفت «الخليج»، و«الشروق» عن الصدور بعد عام ونصف العام على صدورهما، بسبب الكلفة المادية الكبيرة، وإصرار تريم وعبدالله عمران، على تجنّب تمويلهما من جهات تحيطها الشبهات. وجاء التوقف والدولة تشهد بداية الاتحاد، وكان كما أسلفنا أن اختار المغفور له، بإذن الله تعالى، الشيخ زايد، طيّب الله ثراه، الدكتور عبد الله عمران، أول وزير عدل في دولة الإمارات، ومن ثم وزيراً للتربية والتعليم، ليعود وزيراً للعدل، كما كلفه الشيخ زايد، بتأسيس جامعة الإمارات، في حين أصبح تريم عمران، أول سفير للدولة في مصر، وأول مندوب لها في جامعة الدول العربية، حتى عام 1976، كما تولى رئاسة المجلس الوطني الاتحادي.

عودة مظفّرة

ولم يستمر الوضع طويلاً، حيث عادت الخليج إلى الصدور في إبريل عام 1980، ومع توالي الأيام، والنجاحات المتواصلة، أصبحت «دار الخليج للصحافة والطباعة والنشر» من كبرى المؤسسات الصحفية العربية، ومن أكبر المؤسسات الصحفية في الإمارات، حيث تصدر عنها، ست مطبوعات يومية وأسبوعية وشهرية، فضلاً عن جريدة «الخليج» ومجلة «الشروق» السياسية الجامعة، ومجلة نسائية هي «كل الأسرة»، ومجلة «الاقتصادي» الشهرية، وجريدة «جلف توداي» اليومية باللغة الإنجليزية ومجلة «الأطفال الأذكياء».

أبرز القيادات

وتولى قيادة المؤسسة، الراحلان الدكتور عبدالله وتريم عمران، وعملا معاً على تطوير أنشطتها المختلفة، إلى أن توفي المغفور له، بإذن الله، تريم عمران تريم في 16 مايو 2002، فتولى د. عبد الله عمران رئاسة مجلس إدارة «دار الخليج»، ومجلس إدارة «مركز الخليج للدراسات» الذي يصدر تقارير سنوية، وكتباً متنوعة تتناول القضايا العربية عامة، والخليجية خاصة. وترأس الفقيد مجلس إدارة مؤسسة تريم عمران تريم للأعمال الثقافية والإنسانية، وله مؤلفات عدة عن قيام دولة الإمارات، والتعليم والتنمية والكثير من المقالات الفكرية والسياسية.

وتثميناً لمهنيته الرفيعة، ولكونه من أبرز قيادات العمل الإعلامي العربي على مدى أكثر من أربعين عاماً، اختير الراحل الدكتور عبد الله عمران، شخصية العام الإعلامية 2009. وبعد وفاته أصدر صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، مرسوماً بتحويل «مؤسسة تريم عمران للأعمال الثقافية والإنسانية»، إلى «مؤسسة تريم وعبد الله عمران للأعمال الثقافية والإنسانية».

كلمات لا ترحل

1

لا شك في أن كلمات الراحل الكبير الدكتور عبدالله عمران، رحمه الله، كانت ولا تزال تعطي دروساً في الوفاء والأصالة، وتشكل نبراساً؛ فهنا قوله عن المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان، في ذكراه الرابعة: «لقد تميزت مواقف الوالد الكبير باتساق عميق ونادر داخلياً وخارجياً، وكانت سياسته مبنية على فصل عارف، وحازم بين الثوابت والمتغيرات، حيث تغليب المصالح الوطنية، والقومية على كل مصلحة آنية أو قريبة، وحيث الاقتصاد كيان شامخ وفاعل، وصاعد دائماً، لكن ليس بعيداً عن السياسة، أو التنمية الاجتماعية، وضع زايد الخير هذا النهج، وعمل على ترسيخه في نفوس المسؤولين، ونبض الناس، كما في طين الأرض، واستطال نهجه من بعده في الفضاء الذي ارتأى، وفي الغايات التي أراد».

وفي الذكرى الأولى لوفاة شقيقه تريم عمران، جاءت كلمات الراحل الدكتور عبد الله عمران: «تريم بالنسبة لي لم يكن أخاً عادياً، وإنما كان الصديق والأب والمعلم والقدوة، منّت عليّ الحياة بأن أكون بجواره طوال عمره. والأخوة هبة وفضل من الله، وأخوة تريم خير هبة وخير فضل، في ذكراك يا تريم.. تحضرني خواطر سيّالة، وتتملّكني مشاعر كثيرة؛ أتذكرك أيام الطفولة والصبا، حين كنا نملك الدنيا في ظل فخرنا بوطننا، وبأمتنا العربية، التي كنا نراها نسمعها نعايشها، في أحاديثنا، في داخل بيوتنا، في نداء العروبة من خارج حدودنا».

1

وفي مقال للراحل بعنوان «الحلقة الخبيثة من المخطط»، قال: «إذا سلمنا بأن أمننا الداخلي مرتبط بأمن المنطقة الخليجية، فهو في النهاية مرتبط بأمن الأمة العربية الشامل، فنحن المهددين بسيطرة عنصرية شديدة الحقد والتعالي، تملك مخططاً طويل النفس، يعمل على مستويات عدة، وجبهات عدة في الوقت نفسه، نحتاج إلى تأمين بقائنا لحفر الخنادق، وإقامة المتاريس، ورص الصفوف، حتى نتمكن من الصمود في معركة يعلم الله وحده متى تنتهي، وإن كنا واثقين بالنتائج».

ومن كلمات الراحل عن الإعلام العربي وقضايا الأمة «لقد تطور الإعلام العربي عبر العقود الماضية في أشكاله، كما في مضامينه، معبراً عن التقدم الثقافي الذي حصل في حقوله المختلفة، عاكساً للتطور التعليمي الذي شهدته المنطقة العربية، وكاشفاً للتحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية العالمية والمحلية، ومع ذلك فالتطور التقاني، كما التقدم العلمي والتعليمي، ليسا بالضرورة كافيين، لأن تكون معالجة الإعلام للقضايا القومية متناسبة مع متطلباتها، وتحدياتها، فهناك الكثير من العوامل التي تفيد ارتقاء هذه الوسائل إلى مستوى التحديات التي تواجهها».

واعتزاز د. عبد الله عمران، رحمه الله، بمواقف وثوابت صحيفة «الخليج» القيمة تجلى في قوله: «ظلت «الخليج» كعهدها على امتداد عمرها تحمل هموم العرب، ومشكلاتهم، وتوقهم إلى التوحد في خضمّ الأعاصير التي تضرب بكثير من بلدانهم، إدراكاً منها لعظم المسؤولية التي أخذتها على نفسها في إيصال الحقيقة إلى قرائها، وفي الدفاع عن قضاياهم، وفي تبنّي طموحاتهم، «الخليج» صحيفة اليقين، تستلهم فكر مؤسسها الرمز، والمعلم تريم عمران «رحمه الله» ونستذكر معه عمراً من العطاء، والتضحية، ذاهبة في تحقيق الوعد، إلى حده الأقصى، مستمدة من قيمة الفرصة المتجددة لمواسم الحصاد، ومستلهمة مما غرس، فأينع ثمرة المسؤولية».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"