عادي

إبداع بشروط مختلفة

00:14 صباحا
قراءة 5 دقائق
لوحة للفنان خوان ميرو
لوحة لبيكاسو

استطلاع: نجاة الفارس

كيف نكسر عزلة الفنون التشكيلية؟ وما أهم أسباب ابتعاد الفنان لفترات معينة عن الساحة؟ يؤكد عدد من الفنانين التشكيليين أن العزلة موجودة منذ قديم الزمان، فأغلب مشاهير الفن في العالم كانوا يلجأون للعزلة في أعمالهم، ما ساهم في إيجاد الفن العالمي والفن الحقيقي، ولكن إبداع الفنان مرتبط بالجمهور والمشاهدة والتشجيع باقتناء بعض لوحاته ما يحقق له وضعاً معيشياً أفضل، وكثيراً ما يحتاج الفنان إلى الانطواء على ذاته لإنجاز العمل الفني.

تقول الفنانة التشكيلية خلود الجابري: «العزلة أسهمت في إنجاز الفن الحقيقي، ومن الفنانين الذين كانوا يعيشون العزلة فان كوخ، وغيره ممن أصبحوا اليوم من أشهر فناني العالم، بعد أن ماتوا فقراء، لكن في العصر الحالي أصبحت التكنولوجيا عاملاً مهماً في قضية الفن التشكيلي، ويمكن الاستعانة بها للخروج، ولو بعض الشيء، من العزلة. فقد ساهمت بكسر عزلة عدد من الفنانين من خلال تنشيطهم، حيث يوجد بعض الفنانين إذا لم يأخذ أحد بيدهم للخروج من العزلة يظلون فيها حتى نهاية حياتهم، وهناك مؤسسات ترعى الفنانين، خاصة الحقيقين منهم، لأنه في هذه الأيام اختلط الحابل بالنابل، وهناك نخبة من الفنانين يلجأون للعزلة لأنهم يترفعون عن الطلب، وهنا يكون دور المؤسسات حيوياً في هذا الموضوع، ويجب وجود مشاريع على المدى الطويل تسهم في كسر عزلة الفنان الحقيقي، ونحن لدينا العديد من الفنانين الحقيقيين، لا يعرفون التصنع والابتذال، لذلك فإن وجود فنانين موظفين في المؤسسات ضروري لأنهم يستطيعون تمييز النخبة من الفنانين والمساهمة في كسر عزلتهم، ما يعمل على تنشيط الحركة الفنية وإعطاء الفرصة لهؤلاء الفنانين الذين يمثلون الفن في دولة الإمارات، سواء كان فناناً إماراتياً، أو فناناً مقيماً».

تشجيع

الفنان مهاب لبيب، يقول: «بالرغم من النهضة الفنية واهتمام الدولة بالفن التشكيلي، وتشجيع ومنح المبدعين منهم الإقامة الذهبية، إلا أن البعض منهم يعاني العزلة وعدم ظهور أعماله للنور، وقد يكون ذلك لصعوبة تنظيم معرض فني شخصي، إضافة إلى التكاليف الباهظة لعمل الإطارات والتغليف والنقل، وفي النهاية فالمردود المادي لا شيء، وأحياناً أخرى هناك صعوبة التنقل بين إمارة وأخرى للاشتراك في معرض ما تنظمه إحدى الهيئات، كذلك الكلفة الباهظة لتنظيم معرض في أحد الفنادق، حتى إن كان لمدة ٣ أيام فقط».

ويضيف: «من الطبيعي أن إبداع الفنان مرتبط بالجمهور والمشاهدة والتشجيع باقتناء بعض لوحاته، ما يحقق له وضعاً معيشياً أفضل يمكّنه من شراء أحدث الأدوات من ألوان وخلافه، لتسهل له مزيداً من الإبداع والإتقان لأعماله الفنية. ومنذ عقود قليلة، كانت هناك برامج تلفزيونية تسلط الضوء على الفنانين من خلال إشراكهم في برامج المنوعات الفنية، حيث يقوم الفنان برسم الضيوف على الهواء مباشرة، فلماذا لا تكون هناك برامج على الشاشة الصغيرة تستضيف فناناً، وتبرز أعماله وينقل خبراته للمشاهد؟ ».

بدائل مؤقتة

وتقول الفنانة التشكيلية فرح البستكي: «يجب أن نعترف بأن إبداع الفنان مختلف عن غيره، فالرسم أو النحت يتم في مرسمه الخاص، أو مساحته الخاصة، وكثيرا ما يحتاج الفنان إلى الانطواء لوحده لإنجاز العمل الفني، وهي تعتبر عزلة مؤقتة، أما إذا ذكرنا العزلة في زمن كورونا، فهي حالة مؤقتة أيضاً بالرغم من طول المدة، ولم تكن الفنون التشكيلية بمعزل عن بقية مجالات الحياة، الاقتصادية والسياسية والثقافية، وغيرها، وبالتالي إلغاء الفعاليات والمعارض وكل أشكال التجمعات الفنية تأثرت بالطبع مثلها مثل غيرها».

وتتابع: «أسهمت مبادرات العديد من المؤسسات الثقافية في تقليل هذه العزلة والتعويض عنها بالفعاليات الافتراضية عبر الإنترنت في أصعب الظروف، وهنا تلعب جاهزية تلك المؤسسات كطرف مرسل وأيضا جاهزية الأطراف المستقبلة من خلال وجود شبكة قوية للإنترنت، إضافة إلى إيجاد طرق للتواصل بين الفنانين والمهتمين، وهو ما نستطيع القول إنه أخذ قليلاً من الوقت للبحث عن البدائل، فهي بدائل مؤقتة ولا تعوض عن التواصل المباشر بين إنتاج الفنان، أو المبدع بشكل عام، وبين المتلقي أو المشاهد، حيث إن زيارة المعارض ومشاهدة العمل الفني على الطبيعة تختلف تماماً عن مشاهدة صور لها من خلال الإنترنت، وقد رأينا العديد من تلك المبادرات والجولات الافتراضية في دول أخرى في المنطقة، مثل السعودية والعراق ومصر، وكذلك فكرة المعارض الهجينة بين الافتراضية والواقعية ».

وتوضح البستكي، في الإمارات، على سبيل المثال، انطلقت الحركة الفنية مع تأسيس الاتحاد، وكان البعض ينظر للفنون نظرة مختلفة، كأنها من الأمور الكمالية، وهذا ما شاهدته من تجربتي الشخصية، حيث كانت بعض الجهود الفردية هنا وهناك على مستوى الدولة، قد يكون الفنان حينها شعر بالعزلة، إلا أنه مع التطور في الأجهزة الحكومية من وزارات ومؤسسات ثقافية عوّض تلك الفترة بالعديد من المشاركات داخل وخارج الدولة، وقد خرج بالأنشطة والفعاليات من داخل جدران المعارض إلى أنشطة في الهواء الطلق، لأماكن يرتادها المقيمون والسياح، مثل بينالي الشارقة الذي يقام في المنطقة التراثية، وكذلك «سكة آرت» في منطقة الفهيدي بدبي، كما شاهدنا تواصلاً من وزارة الثقافة في الإمارات لدراسة الوضع والتعاون مع الفنانين لدراسة ما يمكنهم تقديمه لكسر هذه العزلة المؤقتة لاستمرار دعم الحركة الفنية، وخلاصة القول، إن عدم تمكن الفنانين من الوصول إلى لمراسم أو المراكز الفنية يحتم التفكير خارج الصندوق، والبحث عن البدائل، أو التوجه لفنون أخرى بديلة لضمان استمرارية الإنتاج والتواصل.

رعاية وتبنٍّ

الفنانة التشكيلية هدى سعيد سيف، تقول: إن مفهوم العزلة يعني عدم وجود اتصال مع الناس، وعزلة الفنون التشكيلية تعني عزوف الناس عن تذوق المنتج الفني وزيارة المعارض التشكيلية، والسبب الحقيقي وراء هذا العزوف هو سيادة التكنولوجيا التي مكّنت بصر المشاهد من تلقّي كم هائل من المعلومات البصرية فأحرقت البصيرة، وهنا يأتي دور المؤسسات، وليس الفنان، بخلق فرص لقاء مع هؤلاء الفنانين بعيداً عن التحيزات الذاتية، والخطوة الثانية لكسر العزلة هي أختيار أماكن مناسبة لعرض الأعمال التشكيلية وغزو مواقع التواصل عبر نتاجات الفنانين، فالفنان الحقيقي يظل شخصاً منتجاً لكن هذا المنتج لكي يرى النور يجب أن يجد الرعاية والتبنّي.

الفنان محمد يوسف ديوب يقول: «الفنون التشكيلية من أكثر الفنون شعبية على صعيد الممارسة، ولكن أقلها شعبية على صعيد العرض، لأسباب كثيرة، فالعديد من النقاد التشكيليين يعتبرون أن الفن التشكيلي هو فن خاص مقارنة بالفنون الأخرى، كالموسيقى والدراما، خاصة في الشرق، لأن اللوحة انتشرت في أوروبا لارتباطها بالطبقة الأرستقراطية التي اهتمت بالتشكيل، سواء الرسم أو النحت، وظهرت اللوحات في الكاتدرائيات والقصور على حد سواء، ومع ذلك كان للتشكيل بشكل عام، خصوصية، ويقتصر في الانتشار على طبقة معينة، بعكس الفنون الأخرى، وازدادت الهوّة بين المتلقي والتشكيل بعد ظهور المدارس الفنية الحديثة التي، وإن دخلت المجال الشعبي ولكن تحتاج أعمالها لقراءة خاصة مدعومة بالثقافة الفنية التي تحتاج إلى معرفة بصرية، وحضور معارض وفعاليات فنية تشكيلية، ومما زاد من هذه الهوّة ظهور دور العرض الخاصة التي تقتصر على النخبة».

تراجع الشعبية

يؤكد الفنان محمد ديوب، أن التشكيل مقارنة بالفنون المختلفة يحتاج إلى إمكانات ومكان عمل وتفرغ، وحتى كتبه باهظة الثمن، ويجد المتابع محدود الدخل مشكلة في اقتنائها، مع أن المؤسسات الحكومية قدّمت الإمكانات في العديد من الدول وأقامت المعارض الرسمية والعالمية والبيناليات التي فتحت أبوابها للجمهور، ولكن ظلت الأعداد قليلة مقارنة بالحفلات الموسيقية حتى بعد تطور الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي وانتشار عرض الأعمال الفنية افتراضياً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"