عادي

تعصيب العينين عقاب بخيل الإنارة

23:06 مساء
قراءة دقيقتين
رغيد
رغيد جطل

رغيد جطل

عُرف عن الجاحظ شدة بلاغته وسعة علمه، فهو إمام الأدباء في العصر العباسي الثاني. واشتملت ثقافة الجاحظ على كل العلوم المعروفة في عصره، فدرس المنطق والفلسفة والرياضيات والطبيعيات والسياسة والأخلاق والفراسة، وأبدع فيها جميعها، وتكوّنت لديه ثقافة متنوعة وغزيرة.

اعتبر الجاحظ من أغزر المؤلفين إنتاجاً، فكتب عن الأدب والشعر والديانات والعقائد، والإمامة والنبوة، والمذاهب الفلسفية، وبحث في السياسة والاقتصاد والأخلاق وطبائع الأشياء، وتكلم عن العصبية وتأثير البيئة، ونظر في العلوم التاريخية، والجغرافية والطبيعة، فكتب في المدن والأمصار والمعادن وجواهر الأرض، والكيمياء والنبات والحيوان، والطب والفلك، والموسيقى والغناء. وكتب في الجواري والغلمان، والعشق والنساء، والنرد والشطرنج، وغير ذلك مما يتناول الحياة الاجتماعيّة والأدبيّة والعلمية في عصره وقبله، غير أنه لم يُغفل النوادر في كتاباته الأدبية ومنها كتابه «البخلاء» وفيه مواقف بعضها عاصرها وبعضها سمع عنها من أحوال البخلاء الذين يعيشون في الدنيا حياة الفقراء ويحاسبون في الآخرة حساب الأغنياء.

ومن قصص البخلاء التي ذكرها الجاحظ: «مشى بخيل وابنه مع جنازة وكانت امرأة تنوح وتصرخ: إلى أين يذهبون بك إلى بيت لا فراش فيه، ولا غطاء، ولا خبز ولا ماء؟ فقال ابن البخيل لأبيه: هل سيذهبون به إلى بيتنا؟!».

وفي قصة أخرى: «خرج بخيل وابنه في المساء لقضاء وقت عند أحد الأصدقاء، وفي منتصف الطريق عرف الرجل أن ابنه ترك المصباح مضيئاً ولم يطفئه عند مغادرة المنزل فقال له: لقد خسرنا بإهمالك هذا درهماً، وأمره بالعودة إلى المنزل، ليطفئ المصباح. وعاد الولد إلى المنزل فأطفأ المصباح، ثم رجع إلى أبيه، فابتدره أبوه قائلاً: إن خسارتنا هذه المرة أكبر من خسارتنا في المرة السابقة، فقد أبليت من حذائك ما يساوي درهمين. فأجاب الولد قائلاً: اطمئن يا أبي، فقد ذهبت إلى المنزل وعدت حافياً».

ويروي الجاحظ أنّ «جماعة من أهل خراسان ترافقوا في منزل وصبروا على الظلمة ما أمكنهم الصبر، حتى اتفقوا على أن يدفع كل واحد منهم مقداراً من المال للإنارة بعد أن نفد صبرهم، إلّا أنّ واحداً منهم أبى أن يشاركهم ويعينهم على ذلك، فكانوا إذا جاء المصباح شدّوا عينيه بمنديل، لكي لا يستفيد من النور، فإذا حانت ساعة نومهم أطفأوا المصباح وأطلقوا عينيه».

وأورد الجاحظ عن رجل يقول في قصته «كنت عند شيخ من أهل مرو وصبي له صغير يلعب بين يديه، فقلت للصبي، على سبيل العبث والامتحان: أطعمني من خبزكم، قال: لا تريده هو مر، فقلت: فاسقني من مائكم، قال: لا تريده فهو مالح. قلت: هات لي من كذا وكذا، قال: لا تريده هو كذا وكذا، إلى أن عددت أصنافاً كثيرة، كل ذلك يمنعنيه أو يبغضه إليَّ، فضحك أبوه وقال: ما ذنبنا؟ هذا من علّمه ما تسمع؟ يعني أن البخل طبع فيهم وفي أعراقهم وطينتهم».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"