عادي
مفاهيم كونية في القرآن

كتاب المعجزات المتجددة

00:29 صباحا
قراءة 3 دقائق
حميد-مجول-النعيمي

د. حميد مجول النعيمي:

أمرنا الله، سبحانه وتعالى، من خلال الكثير من الآيات المباركة في القرآن الكريم، بالتفكر في خلق السموات والأرض ومحتوى الكون بمختلف أجرامه السماوية ونظامها وحركاتها وخواصها ونظمها المعقدة والموزونة في الوقت نفسه، فضلاً عن التمعن في كوكبنا الأرضي وغلافه الجوي وسطحه ومحيطه الحيوي ويابسته وبحاره وباطنه واختلافه عن الكواكب الأخرى وموقعه في المجموعة الشمسية وفي مجرة درب التبانة، وكيف جعله موطناً وفراشاً قائماً بحد ذاته «وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ الرحمن 55»، «ولَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ» الأعراف24، ليستدل الإنسان بهذه الظواهر السماوية على دقة صانعها وعظمة وإبداع الخالق جل جلاله، «إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ» آل عمران 190.

القرآن الكريم كتاب الله ذو المعجزات المتجددة في كل زمان ومكان، ولكل جيل، ومهما تطورت العلوم والتكنولوجيا، ومهما تجددت الاكتشافات والابتكارات، نجد أن القرآن الكريم مواكب لهذه التطورات والمستجدات حتى لو بعد عشرات أو مئات أو آلاف الأجيال المتواردة والسنين القادمة.

«القرآن حمّالُ أوجه»، أصدق وصف بصدد النص القرآني العظيم، يجاوز به الوجوه والنظائر بتعدد المعاني للكلمة الواحدة، ويتسامى به على تعدد الكلمات للمعنى الواحد؛ بل يحيط بالفرع العملي حيثما انتقى العلم وسائل إنجازية مستحدثة ويحيط بالمستوى المعرفي حيثما اصطلحت المعرفة توجّهات غائية مشتركة. أما الانتقال بالعلم والمعرفة إلى القرآن نصاً فممكن وجميل، وأما الانتقال من القرآن نصاً إلى العلم والمعرفة فجائز ومثير، ما دام الإيمان الصادق يعمُر القلوب والبحث الرصين تحت ظله يستكين النص القرآني نص مفتاحي يقود ولا يقاد، ويدل و لا يُدَل إليه من الجديد.

نزلت آيات كتاب الله ومجموعها 6236 آية، ورتبت حسب التوجيه الإلهي في 114 سورة، وأشار فيها إلى الكون وظواهره ومحتواه من مختلف الأجرام السماوية في أكثر من 40 سورة، فالقرآن الكريم هو الكتاب الكوني السماوي الوحيد الموجود بين أيدينا جميعاً على مدى ال 1443 سنة الماضية ولغاية اليوم، وسيبقى القرآن محفوظاً حفظاً مطلقاً غير مقيد بزمن، «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ» الحجر 9، «أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا» النساء 82. والقرآن الكريم مملوء بالمعجزات في كل الأمور، فهو رائع البيان وكامل الصفات ودقيق الدلائل وعادل في الشرائع، وسامي المعاني، وصادق الأنباء، فضلاً عن صفاته في مكارم الأخلاق التي يدعو إليها، وفي ضوابط السلوك التي وضعها، وفي العبادات التي شرعها، والمعلومات والحقائق العلمية والاجتماعية والتاريخية التي جاء بها، فنجد أن أوجه الإعجاز في كتاب الله تعددت بتعدد جوانب النظر فيه، فكل حرف من حروفه، وكل كلمة من كلماته، وكل آية من آياته، وكل سورة من سوره فيها الإعجاز البياني والدلالي واللفظي، وفيها الإشارات العلمية في الكون ومحتواه من مختلف الأجرام السماوية (المجرات والنجوم والكواكب والأقمار والأتربة والغازات الكونية والجزيئات والذرات، فضلاً عن المادة المظلمة والطاقة المظلمة غير المعروفتين للإنسان اليوم).

ستكشف المقالات القادمة لكم عن وجود الكون وأجرامه السماوية وخواصها وحركاتها في القرآن الكريم، ليس بهدف الكشف عن إعجازه فحسب؛ بل لغاية منح العلوم الفلكية و الكونية آفاقاً لا تنفصل عن الإيمان بوصفه جذراً متأصلاً لكل علم أيضاً. وفي سير هذا الجهد المتواضع لا ننكر الصعوبات الجمة التي تواجه مثل هذا المنهج ولا نتنكر لأفضال المفسرين السابقين والحاليين الأخيار في هذا الصدد، إلا أننا لا ندعي جديداً بغير استحقاق إن قلنا إن الحماس والمحبة وحدهما لم يعد أي منهما يسد حاجة قائمة أو ملحة في منح الكلمة القرآنية العظيمة مدلولها الغائي حتى آخر ما يستطيع العقل المدبر في هذا العصر وفي كل العصور، وللقارئ الجليل أن يشارك هذا الرأي بالطريقة التي يراها مناسبة.

نودع هذه المقدمة لنستقبل المقالات التي نقدمها يومياً في هذا الشهر الفضيل، وندعو الله مخلصين أن يوفقنا والقراء الأعزاء إلى الارتقاء بما يسمو بكلمته في الدنيا ويسبغ علينا جميعاً نعمة عفوه ورضاه في الآخرة.

* مدير جامعة الشارقة

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"