عادي

نبي يخدم أصحابه ولا يرفض دعوة

22:11 مساء
قراءة 4 دقائق
1

لم يشهد التاريخ الإنساني رجلاً عظيماً مثل رسولنا الكريم محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم، فلم يكن صاحب رسالة عظيمة وحسب، وإنما كانت سيرته ومسيرته التي امتدت نحو ثلاثة وستين عاماً، أنموذجاً فريداً لرسول عظيم، ونبيٍّ كريم، وقائد مُلهَم، وإنسان بلغ من الصدق والأمانة والرأفة والرحمة والتسامح مع الآخر مبلغاً لم يصل إليه أحد من العالمين، ولِمَ لا وقد قال الله في شأنه: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم: 4 5]

كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عظيماً في تواضعه، ولم يعرف الكِبر طريقاً إليه، رغم ما بلغه من مجد دينيٍّ ودنيويٍّ، حيث كان متواضعاً في كل أحواله، كما ذكرت كتب السيرة النبوية والحديث الشريف، فعن أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال: «كان رسول الله يُرْدِف خلفه، ويضع طعامه على الأرض، ويجيب دعوة المملوك، ويركب الحمار».

وعن معاذ  قال: «كنت ردف رسول الله على حمار، ليس بيني وبينه إلا مؤخرة الرحل، فقال: يا معاذ، هل تدري ما حق الله على عباده وما حق العباد على الله قلت: الله ورسوله أعلم. قال: فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئاً، فقلت: يا رسول الله، أفلا أبشر به الناس؟ قال: لا تبشرهم فيتكلوا».

وكان من صور تواضعه صلى الله عليه وسلم، خدمة أصحابه، روى مسلم في صحيحه من حديث أبي قتادة، في قصَّة نومهم عن صلاة الفجر، قال: ودعا بالميضأة، فجعل رسول الله يصبُّ وأبو قتادة يسقيهم، أي: أصحابه، فلم يَعْدُ أن رأى الناس ماءً في الميضأة تكابُّوا عليها. فقال رسول الله: «أحسنوا الملء كلُّكم سيَرْوى»، قال: ففعلوا، فجعل رسول الله يصبُّ وأسقيهم حتى ما بقي غيري وغير رسول الله، قال: ثمَّ صبَّ رسول الله، فقال لي: اشرب، فقلت: لا أشرب حتى تشرب يا رسول الله، قال: «إنَّ ساقي القوم آخرهم شرباً»، قال: فشربت، وشرب رسول الله، قال: فأتى النَّاس الماء جامِّين رِوَاء (أي: مجتمعين وقد ارتووا).

وروى البخاريُّ في صحيحه عن عبد الله بن عمرو قال: «إنَّ رسول الله ذُكِر له صومي، فدخل عليَّ، فألقيت له وسادة مِن أَدَم حشوها ليف فجلس على الأرض، وصارت الوسادة بيني وبينه، فقال أما يكفيك مِن كلِّ شهرٍ ثلاثة أيَّام. قال: قلت: يا رسول الله، قال: خمساً. قلت: يا رسول الله، قال: سبعاً. قلت: يا رسول الله، قال: تسعاً. قلت: يا رسول الله، قال: إحدى عشرة. ثمَّ قال النَّبيُّ: لا صوم فوق صوم داود شطر الدهر: «صم يوماً وأفطر يوماً».  

وكان، صلى الله عليه وسلم، يتفقَد أصحابه حتى في أثناء الغزوات والمعارك. روى مسلم في صحيحه مِن حديث أبي برزة أنَّ النَّبيَّ كان في مغزى له، فأفاء الله عليه، فقال لأصحابه: هل تفقدون مِن أحدٍ. قالوا: نعم فلاناً وفلاناً وفلاناً. ثمَّ قال: هل تفقدون مِن أحدٍ. قالوا: نعم فلاناً وفلاناً وفلاناً. ثمَّ قال: هل تفقدون مِن أحدٍ؟ قالوا: لا. قال: لكنِّي أفقد جُليْبِيباً، فاطلبوه. فطُلِب في القتلى، فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم ثمَّ قتلوه، فأتى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فوقف عليه، فقال: قتل سبعة ثمَّ قتلوه، هذا منِّي وأنا منه، هذا منِّي وأنا منه. قال: فوضعه على ساعديه ليس له إلَّا ساعدا النَّبيِّ، قال: فحفر له ووضع في قبره.  

ومِن تواضعه، صلى الله عليه وسلم، أنَّه كان يُسلم على الصبيان إذا مر من جانبهم، فقد روى البخاريُّ ومسلم عن أنس رضي الله عنه أنَّه مرَّ على صبيان فسلَّم عليهم، وقال: كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يفعله.  كما كان، صلى الله عليه وسلم، يزور الأنصار، ويلقي السلام على صبيانهم ويمسح رؤوسهم، وعن أنس رضي الله عنه قال: إن كان رسول الله ليخالطنا حتى يقول لأخٍ لي صغير: «يا أبا عُمَيْر، ما فعل النُّغَير؟».  

وكان، صلى الله عليه وسلم، لا يرفض هدية مهما تكن بساطتها ومهما تقل قيمتها، كما أنه كان يستجيب للدعوات ولا يرفضها، روى البخاريُّ مِن حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبيِّ قال: «لو دُعِيت إلى ذراع أو كُرَاع لأجبت، ولو أُهْدِي إليَّ ذراع أو كراع لقَبِلت». وروي أنه، صلى الله عليه وسلم، لما جاءه عدي بن حاتم الطائي يريد معرفة حقيقة دعوته، دعاه إلى بيته، فألقت إليه الجارية وسادة يجلس عليها، فجعل الوسادة بينه وبين عدي، وجلس على الأرض. قال عدي: فعرفت أنه ليس بملك. 

ومن تواضعه، صلى الله عليه وسلم، أنه فقد المرأة السوداء التي كانت تكنس المسجد وتنظفه، فسأل عنها، فقالوا: ماتت، فقال: أفلا كنتم آذنتموني، فكأنهم صغَّروا أمرها، فقال: دلوني على قبرها، فدلُّوه، فصلى عليها.

يقول الكاتب والفيلسوف الفرنسي فولتير (1694-1778): أكبر سلاح استعمله المسلمون لبثّ الدعوة الإسلامية هو اتصافهم بالشيم العالية اقتداءً بالنبي محمد.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"