عادي
رؤى عصرية «حياة النبي» سيرة الهدى

الإسلام يمزج قواعد العقل وهدي العلم

00:43 صباحا
قراءة 3 دقائق

الشارقة: عثمان حسن
«خلَّف محمد هذا الميراث الروحي العظيم الذي أظل العالم ووجه حضارته خلال عدة قرون مضت، والذي سيظله من بعد ويوجه حضارته حتى يتم لله في العالم نوره وإنما كان لهذا الميراث كل هذا الأثر فيما مضى، وسيكون له مثله وأكثر من بعد، لأنه أقام دين الحق ووضع أساس حضارة هي وحدها كفيلة بسعادة العالم».

هكذا يصف د. محمد حسين هيكل إرث النبي الكريم في كتابه «حياة محمد»، والكتاب يبحث في سيرة النبي أو سيرة الهدى من خلال أبواب عديدة، ورأى المؤلف أن يبدأ في وصف بلاد العرب قبل الإسلام، لينتقل إلى مكة والكعبة وقريش، ثم ليتحدث بالتفصيل عن ميلاد أفضل الخلق إلى زواجه، مروراً ببعثه نبياً للعالمين، مع ذكره للتفاصيل الدقيقة لصدر الإسلام، والهجرة، وأول عهد النبي بيثرب، مروراً بفتح مكة ثم انتصاراته عليه السلام ووفاته، وتوسع الإسلام شرقاً وغرباً من بعده.

ما يميز الكتاب الذي وصف بأنه من أبرز الكتب التي أنجزت في العصر الحديث حول سيرة النبي، أنه كتب بأسلوب علمي راقٍ وهو لا يجاري السرديات التاريخية والمتمثلة في اجترار مناهج القدماء، فقد حاول المؤلف بدلاً من ذلك أن يغير منطلقاته ليعتمد على أساليب البحث الحديثة للاقتراب من الحقيقة التاريخية أكثر.

راعى د. محمد حسين هيكل في مؤلفه أن يستبعد كل ما لا يتفق مع القرآن الكريم، باعتبار أنه الكتاب الذي لا يأتيه الباطل، وكان الاحتكام إليه هو منهجه في كل ما رصده وعلق عليه مما تضمنته السيرة النبوية، حيث ذكر المؤلف صراحة: «خير مقياس يقاس به الحديث، وتقاس به سائر الأنباء التي ذكرت عن النبي، ما روي عنه عليه السلام أنه قال:«إنكم ستختلفون من بعدي، فما جاءكم عني فاعرضوه على كتاب الله، فما وافقه فمني، وما خالفه فليس عني».

يمضي د. محمد حسين هيكل في كتابه للحديث عن النبي الكريم، منذ أن تلقى الرسالة من ربه، حيث مهد له الخالق، عز وجل، طرق تبليغها، وما وجب أن يتبعه في حماية الدعوة، وترك له تقدير أن يتصرف بعقله وعمله وفطنته، ثم يتحدث عن مجيء الوحي وكلامه القاطع في كل ما يخص الذات الإلهية، مروراً بتفاصيل ما يخص النظم الاجتماعية، ثم مبررات، بل ضرورات تأسيس الدولة، وإحكام علاقاتها بما جاورها من دول وممالك.

ضد التعصب

في جانب مهم من الكتاب، يتوقف د. محمد حسين هيكل عند بعض مما كتبه المستشرقون، فيفند الغريب والمتحيز والمتعصب من هذه الكتابات، ويركز على تلك الإشراقات التي أنصفت الإسلام، وباعدت بينه وبين الشبهات بسبب ما لمسه هؤلاء المستشرقون من ذلك الدين، الذي كان غاية في المثال والسمو والبساطة والقوة.

والكتاب، بهذا المعنى، يتصدى للأباطيل التي حاول الغرب أن يشوه من خلالها روح الإسلام، بل يشوه النبي.

ومن جهة أخرى، كان الكتاب بما حمله من بساطة في الطرح، موجهاً لجمهور القراء في العالمين العربي والإسلامي، وهدفه هو التأكيد على سماحة الإسلام ونزاهته وإنسانيته، فهذا الدين كما يقول:«وُجّه إلى الإنسانية كلها لا إلى المسلمين وحدهم».

في باب مفصل تحت عنوان «خاتمة في مبحثين» يتحدث د. محمد حسين هيكل عن الحضارة الإسلامية كما صورها القرآن الكريم، فيقول:«لئن قامت هذه الحضارة الإسلامية على أساس من قواعد العلم وهدى العقل، واستندت في ذلك إلى ما تستند إليه الحضارة الغربية في عصرنا الحاضر، ولئن استند الإسلام من حيث هو دين إلى التفكير الذاتي، وإلى المنطق التجريدي، فإن الصلة مع ذلك وثيقة بين الدين ومقرراته والحضارة وأساسها، ذلك بأن الإسلام يربط بين التفكير المنطقي والشعور الذاتي، وبين قواعد العقل وهدي العلم، برابطة لا مفر لأهله من البحث عنها والاهتداء إليها، ليظلوا مسلمين وطيداً إيمانهم».

ويرى هيكل تميزاً في جانب الحضارة الإسلامية عن الغربية المتحكمة اليوم في العالم، وهو بالنسبة إليه اختلاف يطول حتى تصوير الحياة والأساس الذي يقوم هذا التصوير عليه، وهذا الاختلاف بينهما جوهري إلى الحد الذي يجعل أساس كل واحدة منهما نقيض الأساس الذي تقوم عليه الأخرى.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"