سلم دائم أم حرب دائمة؟

00:01 صباحا
قراءة دقيقتين

د.يوسف الحسن

ما أكثر المروِّجين الإعلاميين في هذه الأزمنة لمفاهيم «الحرب المستدامة»، بألعابها المختلفة، بدءاً من «الغزوات» غير المبررة، وصولاً للانزلاق إلى الكارثة المرعبة المسماة لعبة «الحرب النووية».

في معظم الأحيان، تكون أهداف الترويج لهذه الحروب غير ملتبسة، وتدور حول نزعات هيمنة، ونفوذ، وتمدد، وسيطرة شرهة على ثروات طاقة وموارد، و«كتم أنفاس» دول، وتقطيع شرايين مجتمعات.

لا مكان في هذا الترويج الرديء لمبادئ التعددية والتنوع في العلاقات الدولية، أو احترام لخصوصيات وتجارب وثقافات الآخر المغاير، ولا حتى لأوجاع البشر، وحرمة إراقة دمائهم، وتدمير لحضارات وبيئة.

امرأة تشيكية الأصل، لجأت إلى أمريكا وهي طفلة في العام 1948، ثم أصبحت أول امرأة تتولى منصب وزارة الخارجية الأمريكية، لم يهتَزّ لها جفن، وهي تقول للصحافة: إن أهداف السياسة الأمريكية في التسعينات والتي أشرفت على تنفيذها، في العراق، «تستحق التضحية بنصف مليون طفل عراقي».

من حق الغرب أن يفخر بقيمة وبأسلوب حياته، إلا أنه يخطئ حينما يحاول فرض قيمه ورؤيته على الآخر المغاير، إن كان في شرقه الأوروبي، أو في جنوب المتوسط.

حينما يكون العالم أكثر تعددية وتنوعاً، وأكثر تعاوناً واحتراماً لهذه المفاهيم، يكون أكثر سلاماً وتفهماً للاختلاف، وإذا ما نشب خلاف في سياسات يكون العالم أكثر قدرة على لجم الغضب والتهور، وبناء أسس سلمية لتسوية الخلاف، وأقل تمسكاً في بناء العلاقات الدولية بمنطق القوة وخياراتها العسكرية الكارثية.

إن التعددية، بمعناها السياسي والثقافي، هي علاج إجرائي أو تقني ناجح للتعامل الإيجابي مع التناقضات الموضوعية والواقعية، وتوفير المناخ الملائم لكي يعيش الناس جميعاً بسلام وتعايش في هذا الوجود، وكذلك الحال مع التعددية الدينية، والتي هي ظاهرة طبيعية، وآية ربانية ملازمة للطبيعة الإنسانية نفسها.

في التعددية الدينية، يبرز مشهد أصيل قائم في المجتمعات الإنسانية، وبتاريخ طويل ومُمتد من الروحانيات والوعي بحقائق مطلقة، وسلوكيات وممارسات تعبدية ومبادئ تشريعية، ومنظومات وعي وبنى ثقافية وتراتبيات داخلية، مما يعني أن كل مجتمع امتلك عبر هذه الروحانيات والمنظومات، نصيباً من الشعور بالقداسة ونصيباً متساوياً في الحقيقة التي يملكها أو يدعيها.

في ظل فكرة «الحرب المستدامة» تغيب خطط إنهاء الحرب وبناء السلام وحفظه، مثلما تغيب أفكار احترام التعددية والتنوع والعيش المشترك، وتحضر «حروب» فرعية ونماذج منها على شكل: «حرب المنطقة الرمادية»، والحرب «المختلطة» وحرب «خلق الصراعات» وإدامتها، وما شابهها من دعاوى «الفوضى الخلاقة».. إلخ.

ومن محفزات «الحرب المستدامة» فكرة أو ثقافة رديئة تؤمن بضرورة وجود «عدو دائم» أو حتى صنعه إذا لم يكن موجوداً.

لا تستطيع غطرسة أصحاب وقوى «الحرب المستدامة» إدارة انتصارها في هذه الحرب، بعقلانية وحكمة، ولا المهزوم فيها يمكنه تقبل الهزيمة وهضمها، ويظل مستعداً للإعداد للثأر ومواصلة الحرب.

.....

إن رسم الخرائط، بالدم وصفة فاشلة وتجذيف ضد مسار التاريخ، وها هي أحلام نابليون، وأوهام هتلر وأمثاله من العنصريين والنازيين والمتغطرسين في هذا الزمن لم تتحقق، وإنما أثمرت دماراً وأكلافاً مادية، وموارد هائلة ضائعة.. السلم الدائم خير ألف مرة من الحرب الدائمة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"