عادي

حقوق الأطفال تسبق كل المواثيق

22:07 مساء
قراءة 4 دقائق
1

لم يشهد التاريخ الإنساني رجلاً عظيماً مثل رسولنا الكريم محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم، فلم يكن صاحب رسالة عظيمة وحسب، وإنما كانت سيرته ومسيرته التي امتدت نحو ثلاثة وستين عاماً، أنموذجاً فريداً لرسول عظيم، ونبيٍّ كريم، وقائد مُلهَم، وإنسان بلغ من الصدق والأمانة والرأفة والرحمة والتسامح مع الآخر مبلغاً لم يصل إليه أحد من العالمين، ولِمَ لا وقد قال الله في شأنه: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم: 4 5]

حرص الإسلام على الاهتمام بالإنسان في كل مراحل حياته، ومن ذلك حرصه عليه في مرحلة الطفولة. وتحدَّث القرآن الكريم في أكثر من موضع عن الأطفال، فأقسم الله، سبحانه وتعالى، بهم في قوله تعالى: «لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ . وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ. وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ» (البلد: 1-3)، وبشَّر بهم في قوله تعالى: «يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا» (مريم: 7)، وأخبرنا بأنهم زينة الحياة الدنيا في قوله: «الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا» (الكهف: 46).  واهتم الرسول،صلى الله عليه وسلم، بالأطفال اهتماماً كبيراً، وجعل لهم من الحقوق ما لم تسطِّره دساتير العالم المتقدم اليوم؛ إذ لم ينتبه العالم إلى حقوق الطفل إلا في القرن العشرين، عندما تبنت «عصبة الأمم» عام 1924 إعلان جنيف لحقوق الطفل، وفي 1946 أسست «الجمعية العامة للأمم المتحدة» منظمة لرعاية الطفولة «اليونيسيف»، وفي 1956 تبنت «الأمم المتحدة» إعلان حقوق الطفل ومن بينها التعليم واللعب والبيئة الداعمة والرعاية الصحية. وعام 1989 أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية حقوق الطفل في مختلف المجالات، ثم توالت بعد ذلك المؤتمرات والاتفاقيات الخاصة بهذا الشأن.

أما رسول الإنسانية الأعظم، محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم، فجعل رعاية الأطفال واجبة، حتى قبل أن يكون لهم وجود في الحياة، أي: قبل أن يُولَدوا، كما جعل حبهم قرباً من الله؛ لأنه لولا وجودهم لَصُبَّ علينا العذاب؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: «لولا أطفال رُضَّع، وشيوخ رُكَّع، وبهائم رُتَّع، لصُبَّ عليكم العذاب صبّاً».

وقرر رسول الله للأطفال حقوقاً كثيرة، منها ما لم تنتبه إلى المنظمات والاتفاقيات إلا مؤخراً، وهو حق اختيار أمه، قبل الزواج، حفاظاً على سلامته، وصلاحه، فقال صلى الله عليه وسلم: «تخيروا لنطفكم؛ فإن العِرق دسَّاس»، ونصح الشاب المقبل على الزواج بضرورة اختيار المرأة الصالحة، فقال صلى الله عليه وسلم: «فاظفرْ بذاتِ الدِّين تَرِبَتْ يَدَاك»، وحذَّر رسول الله من المرأة الجميلة في المَنْبَت السوء، فقال: «إياكم وخضراء الدِّمَن». كما أوصى أهل الفتاة بأن يتخيروا لفتاتهم صاحب الدين والخُلُق؛ حتى يكوِّنا أسرة صالحة، تكون نواة لمجتمع مسلم، تُراعَى فيه الحقوق والواجبات، فقال صلى الله عليه وسلم: «إذا جاءكم مَن ترضون دينَه وخُلُقَه فزوِّجوه، إلا تفعلوه تَكُن فتنةٌ في الأرضِ وفساد كبير».

واهتم رسول الإسلام بالطفل، وهو في بطن أمه، وحفظ له حقّه في الحياة، فحرّم إجهاضه، وفرض الديّة على من يقتله، وأجاز لأمه الفطر في رمضان إذا كان صيامها قد يؤثّر فيه سلباً، وللفقهاء آراء كثيرة في هذه المسائل، توضح الحالات التي يمكن فيها الإجهاض، ومتى يحرم، وإن كانوا لم يختلفوا على حرمته بعد نفخ الروح في الجنين.

وتذكر كتب السيرة النبوية الشريفة الكثير من المواقف الدالة على حب الرسول للأطفال، وحنانه معهم، وعطفه عليهم، يُروى أنه صلى الله عليه وسلم صَعد ذاتَ يومٍ يَخطُب الناس، ورأى الحسن والحسين يَجْرِيان ويتعثَّران، فقطع خطبتَه، ونزل فاستقبل الطفلين وحملهما على ذراعيه، ثم صَعِد المنبر، وقال: «أيها الناس،»إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ«(التغابن: 15)، واللهِ، لقد رأيتُ ابنيَّ يجريان ويتعثَّران، فما أطقت حتى نزلتُ فحملتُهما».

وكان صلى الله عليه وسلم يُصلي ذاتَ يوم فأقبلَ الحسن والحسين فرَكِبا ظهرَه وهو ساجد، فأطال السجود، ولم يرضَ أن يعجل بنزولهما، حتى نزلا، وحين سلَّمَ قال أصحابه: «لقد أطلتَ السجودَ يا رسول الله؟ فقال:«لقد ارتحلَنِي ابناي، فكَرِهتُ أن أُعجلهما». وكان صلى الله عليه وسلم يعجل في صلاته إذا سَمِع بكاء الطفل، ويقول:«إنِّي كَرِهتُ أن أشقَّ على أمه»، وكان يمر ذات صباح على بيتِ فاطمة، فبلغ سمعَه بكاءُ الحسنِ، فشقَّ عليه ذلك، فقال لفاطمة:«أَوَما علمتِ أن بكاءه يؤذِينِي».

وروى أبو هريرة، رضي الله عنه، أنَّ رسولَ اللهِ قَبَّلَ الحسينُ بن عليِّ، رضي اللهُ عنهُما، والأقرعُ بن حابسٍ التَمِيمِيُّ جالسٌ، فقال الأقرع: يا رسولَ الله، إنَّ لي عشرةً من الولدِ ما قبَّلت إنساناً منهم قط، قال: فنظرَ إليه رسولُ اللهِ فقال: إنَّ من لا يرحمْ لا يُرْحَم».

وحرص رسول الله على تربية الطفل، وتنشئته التنشئة الصحيحة، القائمة على مراعاة الخالق سبحانه وتعالى في كل تصرفاته، حتى يكون عضواً صالحاً في المجتمع، فعن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: كنت خلف رسول الله يوماً، فقال: «يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك بشيء إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفِعتْ الأقلام وجَفَّتْ الصحف».

ولم يفرِّق رسول الله في معاملته بين طفل مسلم وآخر غير مسلم، فعن أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال: كان غلام يهودي يخدم النبي فمرض، فأتاه يعوده، فقعد عند رأسه، فقال له: أسلِمْ، فنظر (الغلام) إلى أبيه وهو عنده، فقال: أطِعْ أبا القاسم، فأسلَم، فخرج النبي وهو يقول: «الحمد لله الذي أنقذه من النار».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"