عادي

العلم يتفوق على الفن في أهميته الاجتماعية

22:07 مساء
قراءة دقيقتين

لم يكن العلم يشغل غير العلماء، فلم يكن يؤثر في أفكار الأشخاص العاديين وعاداتهم، ولم يصبح عنصراً مهماً في تحديد شكل الحياة اليومية للناس، إلا في السنوات الأخيرة، والعلم هو أولاً معرفة، لكن العرف جرى على إطلاقه على نوع خاص من المعرفة، النوع الذي يبحث عن القوانين العامة التي تربط بين مجموعة من الحقائق الخاصة، وبالتدريج قَلَّ النظر إلى العلم على أنه معرفة، وقوي النظر إليه من حيث هو قوة للتحكم في الطبيعة.

ونظراً لأن العلم يمنحنا المقدرة على التحكم في الطبيعة، كما يؤكد «برتراند راسل» في كتابه الصادر عن دار آفاق للنشر والتوزيع، بعنوان: «النظرة العلمية» ترجمة «عثمان نويه»، فقد تفوق على الفن في أهميته الاجتماعية، فالعلم من حيث هو بحث عن الحقيقة يعدل الفن ولا يفوقه، أما العلم من حيث هو نهج، فإن له – مهما قَلَّتْ قيمته الذاتية – أهمية عملية لا يستطيع الفن أن يتطلع إلى مثلها.

وللعلم من حيث هو نهج، أهمية أخرى، لم تتضح مراميها وضوحاً كاملاً حتى الآن، ذلك أنه جعل من الممكن – بل من الضروري – إيجاد صور جديدة للمجتمع البشري، وقد أحدث فعلاً تعديلات بعيدة الغور في التنظيمات الاقتصادية، وفي وظائف الدول، وقد أخذ يعدل في حياة الأسرة.

وإذا شئنا أن نتدبر أثر العلم في الحياة البشرية، كما يقول راسل، فعلينا أن نبحث أموراً ثلاثة، ينفصل بعضها عن بعض، بدرجة قد تزيد أو تقل، أولها طبيعة المعرفة العلمية ونطاقها، وثانيها قوة الاستخدام العملي المشتقة من النهج العلمي، وثالثها ما لا بد أن ينشأ عن الصور الجديدة للتنظيم الذي يتطلبه النهج العلمي من تغيرات في الحياة الاجتماعية والأنظمة التقليدية.

والعلم من حيث هو معرفة، هو بطبيعة الحال أساس الأمرين الآخرين، لأن كل نتائج العلم هي ثمرة لما يقدمه من معرفة، فقد حال بين الإنسان حتى الآن وبين تحقيق آماله، جهله بالوسائل، وكلما اختفى هذا الجهل، تزايدت قدرته على تشكيل نفسه وتشكيل بيئته الطبيعية، على النحو الذي يفضله، فالقوة الجديدة التي يخلقها العلم تكون خيرة، بقدر الحكمة التي يتميز بها الإنسان، وتكون شريرة بقدر ما في الإنسان من حمق.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3nj6hacu

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"