أمريكا توسعت وتعاني

21:37 مساء
قراءة دقيقتين

د. لويس حبيقة *

توسعت أمريكا تدريجياً حتى أصبحت على ما هي عليه. اشترت «لويزيانا» من فرنسا في 1803 و«فلوريدا» من إسبانيا في 1821 وضمت «تكساس» في 1845 و«أوريغون» في 1836. حصلت على «كاليفورنيا» بعد الحرب مع المكسيك في 1850. هذا التوسع بالاضافة إلى نظامها الديمقراطي أعطى نتائج واضحة. لكن النظام الديمقراطي يعاني اليوم شعبياً وفي القوانين وما الهجوم على الكونغرس في بداية 2021 إلا ليؤكد ذلك. عدم توافر بديل ديمقراطي عملي سيؤدي إلى بعض التغييرات في قوانين الانتخابات خاصة في الولايات الجنوبية في أمريكا، هنالك من يفكر في التغيير ويدعو له.

ما العوامل التي أسست أمريكا ولا تزال مؤثرة في الاقتصاد والسياسة؟ ما هي العوامل التي سمحت بزيادة الإنتاجية في كل القطاعات وخلق عقلية التجدد والابتكار والتغيير والانفتاح؟ كيف تكونت ثقافة النمو والانتقال بسرعة من وضع لآخر ومن منطقة لأخرى؟ هذه المرونة الفريدة سمحت بتوزيع التنمية على كل الولايات بدرجات مختلفة.

فالنظام الحر الذي بني على أفكار أدام سميث سمح للاقتصاد بالنمو السريع، فأصبح الأول عالمياً. خلق هذا النظام مع الممارسة أزمات كبيرة في سوء العدالة لكن الاستثمارات في البنية التحتية سمحت له بأن يحدث نفسه ويتطور. أما النقل والاتصالات والقطاعات الإنسانية من صحة وتعليم فسمحت لأمريكا بالنهوض السريع والنوعي. أثرت الحضارة الدينية في بناء الدولة والمؤسسات وتطويرها معتمدة على أفكار علماء البروتستانت. ما زال هذا التأثير واضحاً في كل جوانب المجتمع على الرغم من ظهور حضارات جديدة أخرى.

هنالك عموماً احترام للدستور وكل ما ينتج عنه. هذا مهم لفض النزاعات وتنفيذ القرارات والنتائج. هذا مهم لوضع حدود في ممارسة السلطة منعاً للتسلط والفوضى. حادثة 2021 هي صفحة سوداء في التاريخ الحديث وتجري معالجته بعناية منعاً للتكرار والفوضى. احترام حقوق الملكية العقارية ثم لاحقاً الفكرية مهم جداً. لا يمكن بناء أي استقرار اقتصادي من دون حماية الملكيات والحفاظ عليها.

في أمريكا هنالك احترام قل مثيله لقطاع الأعمال ما سمح بنموه ونضج شركاته في الحجم والإنتاج. ليس كل من نجح في الاقتصاد فاسد، ولا بد من التمييز بين الأداءين الجيد والسيئ. يشيد المجتمع الأمريكي بالمتفوقين في الأعمال والمهن ويعتبرهم نموذجاً للأجيال الجديدة كي يستمروا وينجحوا أكثر. أمثال «بيل غيتس» و«ستيف جوبز» ليست نادرة، وتحوذ إعجاب المجتمع والأجيال الجديدة.

هنالك واقعان مهمان. تحصل الأزمات المالية الأمريكية لأن الشركات الاستثمارية توظف أموال الناس وبالتالي تغامر بها. تحصل هي على الأرباح وتحمل المخاطر للمجتمع. لو استثمرت في أموالها أو أموال أصحابها لتحفظت، وبالتالي كانت النتائج أفضل بكثير. ليس المهم أيضاً حجم الدين بل تكلفته. فائدة 10% ليست كفائدة 1% وبالتالي التركيز على حجم الدين ونسبته من الناتج لا يؤدي إلى اتخاذ القرارات الجيدة. المهم ألا يقضي ارتفاع الفوائد الحالي على الاستثمار والنمو وهذا هو دور المصرف المركزي.

* كاتب لبناني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/y93txz3e

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"