عادي
اختتمت ليالي «الشارقة للمسرح الصحراوي»

«منت البار».. ثراء حكائي بصري من عمق البادية الموريتانية

22:52 مساء
قراءة 5 دقائق
مهرجان المسرح الصحراوي/ المسرح الموريتاني/ تصوير محمد الطاهر/١٣/١٢/٢٠٢٢
مهرجان المسرح الصحراوي/ المورتاني المسامره/تصوير محمد الطاهر

الشارقة: عثمان حسن
عرضت مساء أمس الأول، الثلاثاء، في صحراء الكهيف المسرحية الموريتانية «منت البار» أي (بنت البار) وكانت خاتمة عروض الدورة السادسة لمهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي.

المسرحية من إنتاج جمعية إحياء للفنون الركحية، وإعداد وإخراج سلي عبدالفتاح، وإشراف حافظ خليفة، وبطولة: سلي سليم، محمد سويلم، المختار الشيخ مراد، السالمة الشيخ، عيشة موسى ديكو، حمود عثمان صو، مريم محمد الصغير، فاطمة ممادي، النبوي البخاري، محمد فال بلال، عالي سالم، وحمادي عبدالله.

مزجت لغة العرض بين الفصيحة واللهجة الحسانية، وهي لهجة بدوية مشتقة من العربية، تحدثت بها قبائل بني حسان الذين سيطروا على أغلب صحاري موريتانيا ومالي وجنوب المغرب بين القرنين الخامس عشر والسابع عشر، والحسانية كما توصف هي أقرب اللهجات إلى العربية الفصيحة.

حدوتة

في نجع من نجوع الصحراء الموريتانية، بدأت حكاية عرض «منت البار» وكان واقع الحال في تلك البقعة قاسيا جداً، فلا أمطار نزلت منذ سنوات، وكان الجدب سيد الموقف الذي يلقي بظلال البؤس والفاقة على الصغار والكبار، فكان لا بد من التضرع إلى الله، وكان لا بد من الاستسقاء طلبا للغوث والاستمطار، واختاروا رجلاً يسمى محمدا إماماً لصلاة الاستسقاء، ومحمد هذا كان مضرب المثل في البر، حتى صار يكنى «البار».. ومن هنا، تبدأ أخبار الحكاية.

ويصلي محمد ويردد الناس وراءه الأدعية وتحدث المفاجأة وينزل المطر، ويعم الفرح وترتاح النفوس وتسر القلوب، وبعد هذه الحادثة وفي ذات العام، يرزق محمد البار ببنت أسماها عزيزة، وتوالت الأيام وكبرت عزيزة، وكانت حادة الذكاء، كريمة الطباع، حسنة الخلق، وكانت شاعرة تقارع فحول الشعراء، وانتشرت أخبارها بين القبائل المجاورة، وأمست محبوبة الكل، ومرغوبة من الشعراء والأمراء والفرسان والشباب من علية القوم، وأصبح هؤلاء يتهافتون على خطبتها من كل حدب وصوب لنيل رضاها والزواج منها.

لغز

وعبثا حاول الوالد أن يقنع ابنته «عزيزة» أن تسرع في اختيار أفضل من يتقدم إليها، من الشباب وهم كثيرون، ويبرر ذلك بمخاطبة أفراد عشيرته قائلاً: «كما تعلمون عزيزة وحيدتي، وقد عاهدت أمها قبل أن تموت أن لا أغصبها».

ولكونها ابنته المدللة، يرضخ لخيارها، وهي التي كانت ترفض كل الخطاب الأباعد، وتصر على أن يكون عريسها واحداً من فرسان القبيلة، لكنها تقدمت بلغز واشترطت على من يفوز بقلبها أن يكون قادراً على حل هذا اللغز، وقد تقدم لخطبتها ثلاثة فرسان هم: ولد الهادي الفارس، وابن المختار، وسيدي عبدالله الشاعر الحنون.

يبدأ هؤلاء الفرسان في استعراض ما لديهم من مهارات الفروسية وقول الشعر، ويبدأون في مناكفة بعضهم، مع حرص كل واحد منهم على أن يبرز ما لديه من مناقب يتفوق بها على الآخر، بانتظار الفرصة التي يتقدمون لخطبتها وإظهار مهاراتهم في حل اللغز، وها هم في طريقهم لطلب يد عزيزة، وقد جلب كل واحد منهم هدية ثمينة عربون محبته وشجاعته وكرمه، وفي ذلك إظهار لمعدن رجال القبيلة، وما يتميزون به من نبل وكرم وشجاعة وإباء، وهذه من قيم وعادات الصحراء المعروفة ومن الخصال التي حرص معد المسرحية على إبرازها طوال زمن العرض.

غيرة

بطبيعة الحال، كانت بنت البار على ما فيها من خصال سبقت الإشارة إليها، حديث نساء القرية، واللواتي يغرن منها، فلا حديث سوى بنت البار، التي شاع ذكرها في الأجواء، وهو حديث لا يخلو من حسد ونميمة، لكنهن في ذات الوقت كن يفتخرن بما وصلت إليه بنت البار من علو الشأن، وكن في الواقع يتمنين لو كانت إحداهن بمثل ذكائها وفطنتها.

في الأثناء تبرز إحدى شخصيات العرض واسمه «سيدهم» وهذا هو المؤتمن على سلامة قوافل القبيلة، وفي إحدى السفرات، يرافق سيدهم إحدى القوافل، ويتمكن من العودة بها سالماً، وفي الرحلة الثانية تحدث المفاجأة، فهناك قاطع طريق شرس يدعو نفسه «الضبع» اعتاد أن يغزو القبائل، فيسلبها ما لديها من رزق ومؤن، بعد أن يبطش بأفراد القافلة ويعيث فيها فساداً، ونهباً، وحرقاً.. وها هو يترصد «سيدهم» ويأخذ ما لديه، بعد أن ينكل به، ويبرحه ضرباً، ويرمي به في الصحراء، وبعد مرور أيام، وبعد أن يستفيق سيدهم، يتمكن من الوصول إلى القبيلة وإخبار محمد وعشيرته بما واجهه من مكائد الضبع، ويقوم بتحذيرهم أنه وعصابته قادمون لا محالة نحو القبيلة لسلبها والتنكيل برجالها.

وما هي سوى ساعات، حتى يصل الضبع وأفراد عصابته، وتحدث مناوشة كبيرة بينهم وبين رجال القبيلة، فيتصدى له فرسانها الثلاثة، الذين ينحون خلافاتهم جانباً، ويصبح همهم المشترك، هو الذود عن حمى القبيلة، خشية أن يتم نهبها وتسبى نساؤها، وبين هرج ومرج، وبعد أن يوشك الضبع وعصابته على النيل من رجال القبيلة، تبدأ مبارزة حامية بينه وبين الفرسان الثلاثة، وتنتهي المبارزة بالتغلب على الضبع وقتله والتنكيل بأفراد عصابته، فتتخلص القبيلة من شروره، في مشهد لا يخلو من الفرح وأصوات زغاريد النساء المبتهجات بهذه النهاية السعيدة. وبعد أن تستريح القبيلة من هذه الواقعة الحامية الوطيس، يقوم الفرسان الثلاثة باستعراض مهاراتهم في القتال، وادعاء كل منهم أنه هو من قتل الضبع، بعد ذلك تكثر الحكايات، وتتوالى القصص، التي يؤكد بعضها أن عزيزة قد تزوجت ولد الهادي، وبعضها يؤكد أنها كانت من نصيب ابن المختار، وثالثة عبدالله الشاعر، فيما تبرز رواية أخرى تؤكد أن عزيزة قد تزوجت قادماً من خارج القبيلة اسمه سعيد ابن الجليل.

نقاش

في نهاية العرض عقدت جلسة نقاشية بحضور معد ومخرج المسرحية سلي عبدالفتاح، والمشرف الفني حافظ خليفة، وطاقم العرض وعدد كبير من النقاد والمسرحيين.

وقد أدار الجلسة الإعلامي محمد ولد سالم الذي بدأ حديثه قائلاً: «شاهدنا عرضاً متماسكاً من حيث النص والرؤية الإخراجية، بدأ العرض بداية استهلالية حيث مراسم استسقاء المطر، فالصحراء ليست كالمدينة حيث يجد الإنسان نفسه في مواجهة مع جبروت الطبيعة القاسية، وهو يستشعر ضعفه أمامها، فلا يجد سوى اللجوء إلى الله طلباً ليقيه شرور هذه الطبيعة».

ووصف محمد سالم هذا الاستهلال بالبداية الرمزية الموفقة التي توثق العلاقة بين الإنسان وربه.

وقدم عدد من النقاد والمسرحيين مداخلات أثرت العرض بينهم: د. محمد خير الرفاعي وفداء أبو حماد من الأردن، سليمة عمر من المغرب وإيناس عزت من سوريا، وأكدوا متانة العرض نصاً ورؤية فنية، حيث تمكن المخرج من تقديم فرجة مسرحية بلغة بصرية ساحرة، استخدم فيها كافة أركان الفضاء المسرحي ونجح في توزيع الكتل والممثلين، ليضيء على قضية وحكاية من عمق الصحراء الموريتانية.

المهرجان يمدد فترة «الفندق»

ترجمة لتوجيهات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، مددت اللجنة المنظمة لمهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي فترة استضافة الجمهور في «الفندق الصحراوي» إلى أسبوع، وذلك تقديراً للإقبال الكبير من الجمهور.

والاستضافة في الفندق تقليد درج مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي على إقامته احتفاء بتقاليد وجماليات البيئة البدوية برمالها وكثبانها ومواشيها، وبهدف إتاحة الفرصة للجمهور لرؤية وفهم الجهود التي تبذلها الفرق لتحضير وتجويد عروضها قبل تقديمها على المنصة، ثم مواكبة تلك العروض حين تقدم والتفاعل مع المسامرات الفكرية والنقدية المرافقة لها.

ويضم الفندق خمسة مجالس تحمل عناوين خمسة نصوص مسرحية لصاحب السمو حاكم الشارقة وهي: «النمرود»، و«شمشون الجبار»، و«الحجر الأسود»، «الإسكندر الأكبر»، و«عودة هولاكو». كما تضم المجالس «شاشات عرض» تمكن الجمهور من مشاهدة روائع الأعمال المسرحية التي قدمت خلال السنوات الماضية في أيام الشارقة المسرحية.

وتقدم لضيوف الفندق النصوص المسرحية لصاحب السمو حاكم الشارقة وهي: «عودة هولاكو» 1998، و«القضيَّة» 2000، و«الواقع صورة طبق الأصل» 2001، و«الإسكندر الأكبر» 2007، و«شمشون الجبار» 2008، و«النمرود» 2008، و«طورغوت» 2011، و«الحجر الأسود» 2011، و«داعش والغبراء» 2016، «علياء وعصام» 2016، و«كتاب الله: الصراع بين النور والظلام» 2019.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4dm2s4hh

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"