عادي
منصة لحوار ثقافي متجدد

أعمال تحاور البصر في «بينالي الشارقة»

00:01 صباحا
قراءة 4 دقائق
جانب من أحد معارض البينالي

الشارقة: عثمان حسن
تنطلق الأعمال المشاركة في بينالي الشارقة 15 «التاريخ حاضراً» من أرضية ثقافية وفكرية، تقرأ الحاضر في ضوء رؤى جديدة، تجسد أفكار القيّم الباحث والناقد الراحل أوكوي إينوزور، تلك الأفكار ذات الأثر الساطع في الفنون المعاصرة.

وتسعى هذه الأعمال إلى صياغة طروحات ثقافية من خلال بوابة الفن، وقادرة على الاستفادة من تاريخها الثقافي في سياق اللحظة المعاصرة، كما تتبنى جملة من الأفكار والرؤى التي تستشعر مرحلة ما بعد الاستعمار، في كثير من المجتمعات في آسيا وإفريقيا، وغيرها من دول أمريكا اللاتينية، وبالتالي فإن مجمل الأعمال والمعارض الفنية في البينالي تفكك هذا الإرث الاستعماري من خلال بوابة الفن، وتقدم رؤى قابلة للنقاش، خارج كل الأطر الضيقة، وتسعى للاستفادة من تاريخها الثقافي، وما في هذا التاريخ من إمكانات وتحولات فكرية غنية عابرة للحدود، وهي بكل تأكيد تشكل منصة متجددة للحوار، ونافذة نظرية وفعلية للتفكير بالتاريخ الحاضر.

تضمّن البينالي العديد من المعارض الجماعية والفردية، ففي معرضها تستقي الفنانة أنجو دوديا مفرداتها البصرية من مصادر متنوعة في تاريخ اللوحة، سواء تلك المتصلة بالثقافات الشرقية أو الغربية، بدءاً من المنمنمات الهندية وصولاً إلى المنسوجات الفرنسية القروسطية، وتتشابك في أعمالها عناصر بيوغرافية (ذاتية)، مع تلك المجازية والأسطورية، وتشارك في البينالي بعملين: (جسر التردد «2021 – 2022») و(«وقفات مجنحة» 2022)، وهذان العملان يتألفان من مجموعة من الأقمشة التي تأخذ أشكالاً معينة تتخللها أو تعترضها رسوم وطبعات رقمية، في مشاهد مؤثرة تشير إلى أسطورة دافني في الميثولوجيا الإغريقية، وهي الحورية التي حولها والدها بينيوس إلى شجرة كي يحميها من هوس إله الصيد أبولو، في حين تحظى الأشجار بظهر عصي على التجاهل كخلفية لهذه المشاهد في لفتة ترمز لثقة الإنسان بالطبيعة، حيث دور البطولة تلعبه شخصية نسائية تشبه الفنانة دوديا ذاتها.

مشتركات إنسانية

شاركت الفنانة هجرة وحيد بعمل تركيبي صوتي، وهو يعتبر من أكثر أعمال الفنانة طموحاً حتى الآن، لكونه يدخل في صلب اهتماماتها تجاه إعادة تشكيل المستقبل كمساحة حرة مفتوحة الحدود تتبدد فيها الانقسامات القومية الحديثة، وحالات اللامساواة الناجمة عنها، والفنانة هجرة وحيد تولي اهتماما بعيداً للمشتركات الإنسانية، وتدعو إلى الحفاظ على هذه الروابط الإنسانية سبيلاً للتقليل من خسائر البشر ضمن سعي تضامني يحمي الكل من الفرقة والتناحر.

وفي عملها «ترنيمة 2023»، تستلهم هجرة موضوعها من تأمل عنف الإرث الاستعماري، الذي أدى إلى موجات هائلة من المهجرين والمتضررين، والعمل يستكشف قوة الترانيم في مجابهة مثل هذه الصيغ الراديكالية، حيث بنت الفنانة تراكيب صوتية جمعية داخل غرفة مخروطية، تستعرض نحو سبع أغنيات كانت مفصلية في الاحتجاجات الشعبية التي قادتها النساء والحركات الاجتماعية التي ناهضت الاستعمار في الأمريكتين، وقارّتي آسيا وإفريقيا.

شارك هجرة وحيد في تنفيذ هذا العمل كل من بيترو أماتو ومايكل فويرستاك «إدارة موسيقى وهندسة صوت» ولوريل سبرينجلماير «توزيع موسيقي»، وديفيد أدجاي «استشاري عمارة»، وتيفاني لي إدارة مشروع.

ظلمة الحاضر

تقدم الفنانة فيفان سوندارام عملا بعنوان «بينومبرا» بالاشتراك مع المصورين عمران كوكيلو وأنيتا خيمكا، وابنتيها أزاه وزارا.. ويمثل هذا العمل المحطة الثانية من المشروع التعاوني بين أفراد هذا الفريق، وهو يستوحي التراث الآسيوي في علاقته مع الحاضر، بغية استكشاف التقاطعات التي تحيل إلى موضوعات ثقافية واجتماعية واقتصادية في علاقة ذلك كله بآثار الحاضر المحاصر بكل أسباب البؤس والجوع والألم، والعمل يستدعي الفنون الاستعراضية والتمثيل ليقدم بانوراما طافحة بالسطوع البصري. ففي المحطة الثانية من العمل، ترتدي الفتاتان لباساً ضيقاً أسود، وتؤديان تمثيلية مع والدهما الذي يرتدي زي «سلوار كاميز» ويتداخل الحزن مع لعبة الغميضة رغم ما يسودها من حركات مرحة وعفوية، كما يمتزج جسدا الفتاتين مع جسد والدهما، وهو ممدد من دون حراك، كما لو أنه ميت، وتظهر ظلال الشخصيات الثلاث (الأب وابنتيه) وهي تتحرك في الأفق كجزء من المشهد، وتبدو كما لو أنها ل«كومبارس» في مسرحية.. وتحجب نغمة قوية المشهد الذي يتماهى مع أداء عائلي مهيب، إلا أنه ينذر بظلمة تكتنف الحاضر.

وفي المحطة الرابعة من عمل فيفان سوندارام وجاء بعنوان «بحيرة متسامية»، تقدم الفنانة سجادة مائية تظهر عليها أختام لتفاصيل مصغرة، ويطفو رأس وظهر مشوهان لرجل باستخدام التقطيع الرقمي، ما يجعل سطح الماء كثيفا، وتتساقط (الأجزاء السلبية - أجزاء الجسد، وطيور وأشياء أخرى في الماء) لتظهر على شكل حطام.

وهذا العمل الذي يتشكل في مجمله من شظايا لبشر وكائنات مختلفة، يحمل طقساً موسيقياً خاصاً، ولا تكتفي سوندارام بذلك، بل تبهر المشاهد بتراكيب بصرية من خلال تراكيب تصاحب العمل، وتتشكل من صندوق ضوئي، وأشكال منفوخة تنبثق مثل مخلوقات غريبة من البحيرة.

على إيقاع الطبول

يقدم معرض الفنان ديدريك براكنز في ساحة المريجة عملاً بعنوان «على إيقاع الطبول» وهو يتألف من أربع لوحات هي: (على إيقاع الطبول، دفء الشموس الأخرى، الليل يرعاني، سرقة العتمة من السماء) وهذه اللوحات تتألف من قطن وخيوط أكريليك، وينسج من خلالها ديدريك منسوجات معقدة يلعب القطن فيها دور البطولة، لاستحضار إرث تجارة الرقيق عبر الأطلسي، وتصور هذه اللوحات ظلالاً لشخصيات متداخلة ومترابطة وسط المشهد ترمز للحظات الصراع أو التعاون، فوق خلفيات من مربعات الشطرنج والضفائر والخيوط، وفي العمل رموز ثقافية وفنية من غانا من خلال تمساحين يتشاركان معدة واحدة، ما يفرض عليهما التعاون كي يبقيا على قيد الحياة، ورغم ما يمثله هذا الرمز من ضرورات وحدة المصير المشترك، إلا أن خلفية العمل ترمز إلى أشكال كثيرة من الاستغلال المادي والتجاري في جزء من القارة الإفريقية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3da5tyxw

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"