عادي
قرأتُ لك

«يوميات روز».. رواية منسوجة من القماش

20:35 مساء
قراءة 4 دقائق

الشارقة: يوسف أبولوز
أكثر من فكرة، أو، أكثر من معنى أو صورة أو ذاكرة.. يمكن التوقف عندها في رواية «يوميات روز» للكاتبة الإماراتية ريم الكمالي، وعلى الرغم من أن عنوان الرواية يحيل إلى كتابة «مقطعية» إن جازت العبارة

«.. أي الكتابة التي تتوافق شكلاً وزمناً مع اليوميات..»، إلاّ أن الرواية هي رواية معتقدات شعبية، ورواية مكان، ورواية لؤلؤ، ورواية حب، ورواية بحر، والجميل فيها أيضاً أنها رواية قماش، نعم رواية قماش، ولأنني على نحو شخصي شغفت بأنواع القماش وماركاته وخياطته أيام زمان في الإمارات.

أبدأ لك قراءة «يوميات روز - دار الآداب - بيروت - 2021» من خلال القماش الذي يرمز أحياناً، من خلال جودته إلى مكانة اجتماعية رفيعة في زمن الرواية التي تدور أحداثها قبل قيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة في الخمسينات والستينات من القرن العشرين، وكان القماش خلال تلك الفترة وما بعدها سلعة متداولة على نطاق واسع في التجارة البينية بين الإمارات ودول الجوار مثل الهند وإيران، والقماش فوق ذلك زينة العروس، وزينة النساء والرجال أيضاً، وله أسواقه وتجّاره و«حرّيفة» بيعه وشرائه بالجملة والمفرّق في زمن كان فيه التجّار يتفنّنون في التجارة، ويعتبرونها مكانة ووجاهة، وسيكون القماش ليس مجرد تجارة، بل سيكون شكلاً من أشكال الفن، وإذا أردت فعلاً أن تتلمّس الصيغ الفنية الأولى للحياة الاجتماعية والثقافية في الإمارات، فيمكنك أن تتكئ على الثقافة الشعبية التي تستوعب ظاهرة تجارة القماش، أما في رواية «يوميات روز» فطريقك أسهل إلى القماش الذي يرد في الرواية في أكثر من سبع إشارات سردية، هذا عدا عن البراقع، وعن تجهيز العروس.

**المندوس

أولاً، وبالضرورة، إذا أردنا الحديث عن القماش، فلا بد أولاً من الحديث عن «المندوس»، والمندوس هو صندوق من الخشب، مُزَين بنقوش وزخارف شعبية تحتفظ به المرأة الإماراتية القديمة والخليجية في بيتها وتحفظ فيه حاجياتها ومتعلّقاتها من قماش وقوارير عطر وأساور وثياب وغير ذلك من أشيائها الخاصة العائلية، وفي مندوس روز.. «.. كانت كندورة بونسيعة البنفسجية مرتّبة في ركنه الأعلى، وقد أوحت لي خطوطها الفضية ببعض البهجة، أشحت عنها بوجهي إلى قماش قطني مشهور بقطن مكة يصلح للزاهدات. استمر في البحث تحت الملابس التي تم تربيعها فوق بعضها وجدت كندورة من قماش بوقليم، أخضر، وَمُقَلّم بأعمدة سوداء ناعمة، يوحي بالزهد الشديد..».

لاحظ هنا ألوان القماش، وكيف كان الناس في ذلك الزمن التجاري والمائي يحتفون بالحياة من خلال الألوان:.. القماش البنفسجي، وهو من الألوان الحارّة، مثلاً، لا بل يرتبط القماش بما هو ديني أو معتقدي أو عقائدي، فالمسلم المتدين الأقرب إلى التصوّف يرتدي القماش الأخضر عادة، وكما في الرواية، للزهّاد أو للزاهدين قماشهم، ولأهل الورع قماش، والمتنسكّون أيضاً لهم قماشهم ودرجات ألوانه.

كان في رأس الخيمة من النسوة من يرتدين ثياباً من قماش يسمّى «البرشوت»، وقماش آخر يُسَمّى «بوتفاحة» الذي يليق بلون بشرة المرأة الزاهية، ولكن هنا سأذهب بالقارئ إلى استنتاج آخر غير الاستنتاج الجمالي للقماش، فالثياب الملونة والقماش المتعدد الأنواع والماركات يعني أن الناس كانوا يعيشون حياة ميسورة. راحة البال تنعكس في لون القماش وفي موضات الخياطة وفي جودة الثياب والأقمشة التي كانت تجلب على ظهور سفن و مراكب تمخر مياه الخليج العربي بكل ما كان فيه آنذاك من صراعات على المصالح التجارية والاقتصادية والمائية.

ولكن ماذا عن فضاء السوق؟.. الفضاء الجمالي، والإنساني والحيوي قبل أن يكون فضاء اقتصادياً جافّاً

**مهارة

إن قراءة الثياب أو القماش وألوانها وتفاصيل زيّ المرأة تكشف عن بُعْدين.. الأول: جمالي، والثاني: اجتماعي، تقاليدي. إن المرأة في المنطقة كانت ماهرة في الخياطة، والتطريز بحيث تحقق ما هو «فنّي» إن أمكن القول في زيّها، وتحقق أيضاً ما هو «أخلاقي» إن أمكن القول مرة ثانية..

تفاصيل جمالية، وجميلة في الوقت نفسه تتصل مباشرة بزي المرأة تكشف عنها الرواية إنثروبولوجياً، واجتماعياً، وجمالياً، تفاصيل تقوم على القماش الذي هو أساس زينة المرأة وحشمتها أيضاً، بل ربما صوفيتها.. «.. فضّلت ثوبي الأبيض على «مخوّر» أخضر مطرّز بثوب شفاف عشبي فوقه، ليطمئن عمّي بأني ما زلت صوفية صامتة على الدوام..».. لا بل ترتبط البهجة والسعادة اليومية والحيوية بما ترتديه المرأة في ذلك اليوم. إن القماش علامة فرح.. «.. في صباح ملؤه الارتياح، ارتديت ثوب بنقش بوشاهد الناعم، وبألوان، تكاد من الفرح أن تصل في أعدادها أعداد ألوان قوس قزح..»، وفي مكان آخر ترتدي الراوية وهي «روز» ثوباً من قماش النوف الأحمر.. «.. وكم أحب مجاملة الرّيح وهي تنعش رعشة أطرافي..».

الرواية احتفالية كبرى بالقماش. احتفال بالفرح الذي يشيعه هذا الفضاء اللوني «الثيابي» لترتفع وتيرة حضور القماش إلى الذروة في الفصل الذي تتحدث فيه الرواية عن الزفاف. هنا مهرجان قماش بكل ألوانه، ورفرفاته، وطقوسه القزحية.

امتلأ أسبوع عرسي بطقوس الاحتفال بي كعروس يراد إنهاء شؤمها، وتغطية الحديث باستعراض تجهيزي من ثياب تبدو كالحلم للبعض، تمت خياطتها عند أمهر الخيّاطات تحت إشراف زوجة عمي رغماً عنها، وبأمر من جدتي، تم تجهيز كافة أنواع الأقمشة بوصفي امرأة من حرير، إلى أطلس، وبرشوت، وبستان الياهلي، والسلطاني، وبو بريج، وبو فتنيل، وبو تفاحة، وقماش بسرة، وخلالة، وبو الحلاليج، وبو دقة، وبو الربوع، وبو طاووس، وبو طيرة، وبو غصنة، وبو فرقوة البربير، وبو قفص، وبو كلفس، وبو النوف، والتور، وقماش رادف خله، وداغ، ودمعة فريد، ودورة قماش، ورفرف، وساري بألوانه، والسلطاني، وشربت، وصالحني، وصفوة وكف السبع، وكيمري، ومدراسي، ومريسي، ومريسي بو الدراهم، والمزري، والململ، وكريب، وقماش نف المطر، وويل، وكاز، وقطن مكة، وكل الألوان من الحشيشي، والكركمي، ودم الغزال، والقرمزي، والبرميتي، والبوصي، والجاكليتي، والقهوي، والحليبي، ولارنجي، والخاكي، والخضر، والنيلي، وحتى الأملح.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4wjv696x

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"