من هو المؤثر؟

00:30 صباحا
قراءة دقيقتين

يحيى زكي

عندما تنشأ ظاهرة جديدة في المجتمع، وتكبر رويداً رويداً، لا بد للبعض أن يتوقف ليسأل عن أبسط مفاصل هذه الظاهرة: تعريفها ومتى نشأت والأدوار المتوقعة منها. من هنا يحق لنا أن نسأل في ظل صعود مواقع التواصل الجديدة عن «من هو المؤثر؟»؛ حيث يتكرر المصطلح كثيراً، ومع ذلك لا يوجد تعريف واضح لفئة «المؤثرين»، أحياناً يوصفون بالنخبة الجديدة، وأحياناً يقال عنهم إنهم يستطيعون تغيير السلوك والأفكار ورؤى العالم، لكن من هم تحديداً؟

إذا ذهبت إلى الشبكة العنكبوتية للبحث عن المؤثرين، ستجد تعريفات قليلة تتحدث عن أنهم مجموعة من الشخصيات الذين يتابعهم الآلاف وربما الملايين من البشر، ويعقد المؤثرون علاقات طيبة مع جمهورهم، لكن تلك العلاقة نفسها غامضة، فلا نعرف هل تقتصر على متابعة الجمهور لصور المؤثرين ومقاطعهم المصورة وتسجيل إعجاب لكل ما يفعله المؤثر، أم تتجاوز ذلك إلى قضايا مهمة ومسائل سياسية وفكرية واجتماعية؟ ويبدو أن تلك العلاقة تقتصر حتى الآن على الشق الأول، ولم تتطور لكي تصبح علاقة جادة يستخدمها المؤثر في دعاية سياسية أو ما شابهها.

يدور عمل المؤثر إذن في قطاعات لا علاقة لها بالسياسة أو الثقافة، وهناك من يتهمهم بالتواطؤ مع شركات معينة لترويج منتجات خاصة بها، وعندما تقرأ عنهم أكثر ستكتشف أن علاقتهم بالبشر لا تختلف عن علاقة نجم الكرة أو السينما بجمهوره، أو هي تطوير لها، ويصبح السؤال الآن «من هو المؤثر؟» أكثر إشكالية.

فكلمة «مؤثر» وما يشتق منها تستدعي أسئلة أخرى: «كيف يؤثر؟»، و «فيمن أثر؟»، و «وما مدى تأثيره؟» وهل الأرقام التي نقرأ عنها وتقول إن ذلك المؤثر يتبعه مليون أو أكثر صحيحة؟ وإذا كانت صحيحة، فنحن أمام فئة جديدة من البشر تستطيع التغيير بقوة في المجتمعات، الأمر الذي يستدعي اهتماماً أكبر بالظاهرة ودراستها من جميع أبعادها: لماذا أفرزت مجتمعات العولمة تلك الشخصية - الظاهرة؟ وماهي إمكانياتها الحقيقية؟ وما الذي يجعل من شخص ما «مؤثراً»؟ وما هي طبيعة المحتوى الذي ينتجه ليتابعه هذا الكم من البشر؟

بدأ زمن «المثقف» وانتهى، كما يحلو للبعض أن يردد، ولم يكن هناك تعريف جامع مانع له، عدة كتابات رصدت مئات التعريفات للمثقف، ترتبط بنشأته وتاريخه وعلاقته بالبشر والسلطة السياسية والعالم، البعض كان يذهب بسذاجة إلى القول إن المثقف هو ذلك الشخص الذي حصل على تعليم عالٍ، وآخرون رأوا أن المثقف هو كل من يهتم بالشأن العام، وذهب فريق ثالث إلى أن المثقف هو «منتج معرفة» بالدرجة الأولى.

لم يكن للمثقف جمهور المؤثر ولا أسلوب عمله، وهناك اختلاف واضح في طبيعة طرح القضايا، واختلاف أوضح في طبيعة الأدوات، ولا يمكن أن يحل المؤثر مكان المثقف، وإذا كان المثقف قد انتهى أو مات، كما أعلن أحدهم يوماً، فإن المؤثر ليس وريثه أو امتداده أو بديله، لكنهما يتشابهان في غموض التعريف. ذلك الغموض الذي سيكبر ببطء مع انتشار فئة «المؤثرين».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/tp2tfaup

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"