عادي

الخط.. صوت القلب

23:23 مساء
قراءة 3 دقائق

الشارقة: علاء الدين محمود

يراهن الفنان والخطاط السوري منير الشعراني، على أن تطور الخط العربي أمر مفتوح ولا تحده أية حدود، وربما ذلك ما جعله يعمل في كل مرة لتأكيد الإمكانات الجمالية الكبيرة التي يحملها ذلك الفن العظيم، فالخط بالنسبة له لم يصل الذروة كما يرى كثيرون، بل هو في تطور وصعود كما هو حال الإبداع في كل أنماط الفنون البصرية المعاصرة، وهذا الأمر دفع الشعراني لكي يصمم عدداً كبيراً من «البسملات»، بطرائق غير مألوفة، حيث يسعى إلى تأكيد أن هذا الفن باق وحي ويشهد نقلات كبيرة، وبالتالي هو ليس فناً متحفياً، ولعل الأيام أثبت صحة ما ذهب إليه الشعراني.

لعل من أجمل أعمال الشعراني، لوحة فنية استخدم فيها الخط العربي بطريقة مميزة وتحمل صدر بيت شعر يقول: «هي العزائم من أنصارها القدر»، وهي جزء من قصيدة للشاعر العربي أمية بن عبد العزيز الداني، وهو حكيم، أديب وشاعر، من أهل دانية في الأندلس، ويقول في تلك القصيدة:

1

هي العزائم من أنصارها القدر

وهي الكتائب من أشياعها الظفر

جردت للدين والأسياف مغمدة

سيفاً تفل به الأحداث والغير.

واللوحة تعبر عن اهتمام الشعراني بمسألة تطوير الخط العربي، حيث إنها قد صممت بطريقة جمالية مختلفة وليست مألوفة، وهذه اللوحة هي امتداد لأعمال أخرى تحمل الحكم والأبيات الشعرية والعبارات الشهيرة في التراث العربي بممارساته المختلفة، من قبيل «احفظ عليك مقامك» و«أنت في كل شيء» للنفري، و«أرى العيش كنزًا ناقصاً كل ليلة» لطرفة بن العبد، و«للقلب وسواس إذا العينُ ملّتِ» لقيس بن الملوح، و«ما أبتغي جلّ أن يسمى» للمتنبي، و«الحلم سيد الأخلاق»، و«الأفعال أبلغ من الأقوال»، وغيرها. ولعل لوحة «هي العزائم»، تتجسد فيها الرؤى والتصورات الجمالية التي طرحها الشعراني، فهي عمل تشكيلي منسجم ومكتمل من حيث البناء والقيمة البصرية، فمشاهد اللوحة يتجاوز المقولة أو صدر بيت الشعر الذي تحمله، إلى الخطوط نفسها بجمالياتها ومسحتها الصوفية الروحية، لذلك فإن بإمكان حتى الشخص الذي لا يعرف اللغة العربية أن ينبهر بجماليات اللوحة.

ويمكن القول إن اللوحة تنتمي إلى ممارسات الشعراني الفنية والجمالية، فهو أكثر قرباً إلى أصحاب التجارب الروحية من المتصوفة العرب والمسلمين، ولعل ذلك التأثر بهم قد حقق له الكثير من الممارسات الإبداعية،حيث عمل على تخليص التصاميم الزخرفية من بهرجتها وتكلّفها، فكان أن اقتصد في توظيف الألوان والأيقونات والأشكال الهندسية، كما عمل على الموازنة بين كثافة الأضواء وظلالها، والمساحات التي تحتلّها الخطوط، والفراغات في داخلها، ومن حولها، الأمر الذي يمنح اللوحة أبعاداً بصرية مختلفة، وهو ينطلق هنا من مقولة لابن عربي ضمنها في إحدى لوحاته والتي جاء فيها: «كل فن لا يفيد علماً لا يعوّل عليه». وربما جاء تخفيف الشعراني من حمولة الألوان والأشكال والزخارف في اللوحة، ليعبر عن منحى جمالي هو أقرب إلى التجريد، وهو من عمق ذلك الأثر الروحي المنتمي إلى الفلسفة الإسلامية، حيث يستند في ذلك إلى الأخلاق التي تعلي من شأن قيم الزهد والتقشف، فهو يسقط تلك المثل على ممارسته الفنية، فيعمل على الاقتصاد في كل شيء، فالصخب يؤذي العين ويعكر صفو الناظر، كما أنه ينطلق من فكرة ورؤية تؤكد على أن الحروف تكتفي بنورها وهالاتها المشرقة، فهي لا تحتاج إلى شرح أو تفسير، بل يقبل عليها المشاهد عبر تجربته الروحية والتأملية، وما عليه إلا أن ينظر جيداً ويستمع بعمق إلى صوت قلبه.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yf9x2xjr

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"