جنود عراقيون شعراء

00:00 صباحا
قراءة دقيقتين

قرأت قبل أيام قليلة ملفاً عن كُتّاب عراقيين يتحدثون في الذكرى العشرين للغزو الأمريكي لبلادهم في العام 2003 عن تجربة الكتابة التي يخوضها الجنود في أثناء الحرب، وهؤلاء في الأصل كُتّاب.. شعراء أو روائيون، وبحكم قانون الخدمة العسكرية خاضوا الحرب، وفي أثنائها كتبوا شعراً وروايات أو يوميات، سمّها ما شئت إلاّ أنها معاً تقع تحت عنوان واحد هو أدب الحرب أو رواية الحرب أو شعر الحرب، وعلى أي حال، فالعراقي يكتب أدباً من هذا النوع منذ العام 1980 حين اندلعت الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت حتى العام 1988، وسوف يشارك في تلك الحرب شعراء الثمانين في العراق، وهم من أهم الأجيال الشعرية في العراق، والكثير منهم عطبت الحرب إمّا جسده، وإمّا روحه وإما هدمت كيانه الوجودي كلّه..

غير أنك إذا نظرت إلى الحرب وأدبها شعراً أو رواية أو أسطورة، لوجدت أن الأمر لا يقتصر على العراق فقط، أو أن الأمر ليس غريباً ولا جديداً على العراق، منذ تراجيديات الأساطير السومرية وأساطير حضارة وادي الرافدين عموماً، وإلى اليوم، بلا انقطاع، إلاّ في حالات قصيرة، كأن العراقي يأخذ فيها استراحة محارب، ليعود من جديد، يمسك بيد بندقية، وبالأخرى، قلماً وورقة.

..لا بل إن كتابة الحرب أو شعر الحرب أو رواية الحرب كما لو أنها قدر الإنسان في هذا العالم، عالم الصراعات والمنافسات وتحالفات الشرّ والعنف، فحتى إلياذة هوميروس هي ملحة حرب، وكبار كتّاب العالم مثل تولستوي تسللت الحرب إلى كتابته وفكره وروحه، مع أن روحه تحديداً أبعد ما تكون عن العنف، والأمثلة غيره عديدة وكثيرة في آداب الشرق والغرب.

لكن ما الذي يجعلنا نتوجه بذاكرتنا واهتمامنا الثقافي إلى العراق حين نقرأ عن ظاهرة الجنود والكتابة أو كتابة الجنود، أو الجنود الشعراء، أو الروائيين الجنود؟؟.. إن ما يجعلنا نأخذ العراق نموذجاً حيوياً في ظاهرة الشاعر الجندي أو الجندي الكاتب هو شعراء الثمانين تحديداً في العراق، فهم جيل الحرب العراقية الإيرانية بامتياز، وتالياً، الشعراء عموماً هم جيل الحرب الأمريكية على العراق، وتالياً أيضاً يظهر الشعراء ضحايا العنف والطائفية والاصطفافات السياسية في بلد الواقع والأسطورة.. عراق الرصاص والحبر منذ البابليّ المحارب والشاعر وإلى عراق القرن الحادي والعشرين..

ولكن من قال إن شعراء الثمانين في العراق هم وحدهم شعراء الحرب؟؟.. هذا يوسف الصايغ 1933 - 2005 مثلاً وهو من جيل الخمسينات في العراق يكتب قصيدة حارّة اسمها «إجازة» تتحدث عن عشرة جنود.. عد إليها من فضلك في تراث الصايغ الشعري، اقرأها، واحبس دموعك عن الجريان.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdemw9wa

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"