ثـــورة العمــال في بريطانيا 1910-1914

شكلت انفجاراً عنيفاً للنضال الصناعي والصراع الاجتماعي
22:57 مساء
ترجمة وعرض:
نضال إبراهيم
قراءة 8 دقائق
1
1
1

عن المؤلف

الصورة
1
رالف دارلينغتون
رالف دارلينغتون أستاذ فخري لعلاقات العمل بجامعة سالفورد في بريطانيا. له عدد من الكتب، وينشر باستمرار في الصحف والمجلات المتخصصة

كانت ثورة العمال التي اجتاحت بريطانيا في أوائل القرن العشرين، واحدة من الأحداث المفصلية للغاية في النضال الصناعي والصراع الاجتماعي. تضمنت هذه الثورة إضرابات واسعة النطاق قام بها عمال من كل القطاعات، بعيداً عن المسؤولين النقابيين. ويقدم العمل تصوراً متعدد الأبعاد للسياقات الإضرابية والأهمية المعاصرة للثورات العمالية.

في خضم طاقة ثورية شعبية قوية، شهدت بريطانيا نشاطاً تضامنياً كبيراً، ونموّاً هائلاً في عضوية النقابات، وزيادة هائلة في القوة الجماعية لحركة الطبقة العاملة. أشعلت هذه الإضرابات شرارة التطرف السياسي الذي احتفى بالعمل وتحدى الحكومة الليبرالية والشرطة والجيش، وكذلك الإصلاح البرلماني لحزب العمال. ويستكشف الكتاب دور اليسار الراديكالي والعلاقة بين النضالات الصناعية والتنظيم السياسي، بناء على بحث أرشيفي جديد ورؤى متجددة.

 تأثير الاضطرابات العمالية

يرى المؤلف أن ما كان يسمى ب «الاضطرابات العمالية»، أو ما يجد أنه يتوجب تسميته بدقة أكبر «ثورة العمال» التي اجتاحت بريطانيا في السنوات التي سبقت اندلاع الحرب العالمية الأولى بين عامي 1910 و1914، يعدّ واحدة من أكثر الحروب استدامة ودرامية، وتشكل انفجاراً عنيفاً للنضال الصناعي والصراع الاجتماعي الذي شهدته البلاد. ويقول: «بعد نحو 20 عاماً من الهدوء النسبي في نشاط الإضرابات، حدث اندلاع مفاجئ وغير متوقع انتشر بسرعة على نطاق يتجاوز اندلاع حركة «النقابية الجديدة» في 1889-1891.  وصدرت رواية مؤثرة عن حياة الطبقة العاملة والسياسة في عام 1914، بعد وفاة مؤلفها روبرت تريسيل، بثلاث سنوات، والمثير في الأمر أن العمال جسّدوا أحداثها على أرض الواقع، حيث استبدلوا بالضعف الواضح و«اللامبالاة»، الثقة بالنفس والتنظيم وتشدد الطبقة العاملة التي دفعت بنفسها إلى مركز الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، لبريطانيا. حدث إضراب مطول في حقول الفحم بجنوب ويلز في 1910، أعقبه في صيف عام 1911 إضراب للبحارة الوطنيين وعمال الرصيف وعمال السكك الحديدية، إضافة إلى إضراب النقل العام في ليفربول. وكانت هناك إضرابات عمال المناجم الوطنية وعمال النقل في لندن في عام 1912، وسلسلة من إضرابات عمال المعادن في ميدلاندز، وإغلاق عمال النقل في دبلن في عام 1913، وإغلاق عمال البناء في لندن في عام 1914. وشاركت أقلية كبيرة من القوى العاملة الصناعية في 4600 إضراب آخر من أجل رفع الأجور وتحسين ظروف العمل والتنظيم النقابي. كما لعبت العاملات دوراً نشطاً وبارزاً في عدد من الإضرابات. وما وصفه الزوجان سيدني وبياتريس ويب بأنه «روح التمرد في عالم العمال» انتشر حتى إلى إضرابات طلاب المدارس في سبتمبر/ أيلول 1911. لم يكن النطاق والمدى متنوعين فحسب، بل أيضاً طابع الإضراب، إذ بدا على غير المعتاد. لقد هيمن على التمرد العمال غير المهرة وشبه المهرة، والذي شمل كلاً من أعضاء النقابات العمالية القائمة والمعترف بها، وكذلك العمال غير المنظمين و/ أو غير المعترف بهم حتى الآن، والذين انخرطوا في معركة لبناء التنظيم الجماعي والاعتراف النقابي ضد عداء العديد من أرباب العمل».

 ويضيف: «تم العمل إلى حد كبير بشكل مستقل، وغير رسمي، عن القيادات النقابية الوطنية التي غالباً ما رفض العمال عدم استجابتها لاستياء العمال، وتسعى دوماً إلى توجيه المظالم من خلال القنوات القائمة للمفاوضات الجماعية وآليات التوفيق، والدعوة إلى التسوية والاعتدال. 

 هذه الإضرابات حدثت من الأسفل، وظهرت بطريقة مصممة، لتحل محل المفاوضات الجماعية في وجه التنصل من أي عقد لاتفاقات طويلة الأجل، ولإثارة طلب بعد الآخر على أصحاب العمل، وإجبار كل عامل على الانضمام إلى الاتحاد، بهدف بناء النقابات كقوى مهيمنة. وتوقفت موجة «التمرد» الصناعية [فقط] فجأة مع اندلاع الحرب. وحذّر جورج أسكويث، كبير المفوضين الصناعيين في مجلس التجارة والمستشار الرئيسي للحكومة الليبرالية بشأن العلاقات الصناعية، من أن الجيل الأقدم من القادة الرسميين التصالحيين لا يستطيع الحفاظ على سلطته. وكان هناك في كثير من الأحيان فرق بين الرجال وقادتهم أكبر من الفرق بين الأخير وأرباب العمل. ووجدت الشخصيات اليسارية، مثل بن تيليت من عمال النقل، وكذلك الشخصيات المعتدلة، مثل جيمس سيكستون من نقابة عمال الرصيف، نفسها مضطرة لدعم الإضرابات والتعبير عن مطالب أعضائها، بدلاً من فقدان التأثير في تصرفات الأخير. بعد ذلك فتح هذا الدعم الرسمي بدوره احتمالات لتصعيد التشدد إلى أبعد من ذلك. كان العامل المهم في تطوير هذا التأكيد على قوة الطبقة العاملة المستقلة هو الدور الذي اضطلع به العمال الشباب (رجالاً ونساء) ممن تحرروا إلى حد كبير من العقلية الدفاعية المرتبطة بالأشكال السابقة للنقابات العمالية الرسمية المشروطة، وسعوا بشغف إلى أشكال جديدة من التنظيم المتشدد، من شأنها أن تسمح بنضال مباشر ضد أرباب العمل والدولة. وأصبح «التحرك المباشر» يؤكد الفكرة القائلة بأنه لا يمكن لأحد أن يساعد العمال ما لم يساعدوا أنفسهم، من خلال توليهم مهمة التنظيم ضد أصحاب العمل. وكانت الثقة بالنفس لدى الطبقة العاملة العدائية، والطبيعة النشطة والتحريرية للكثير من النشاط الإضرابي، مع مطالبته الأساسية بالكرامة واحترام الذات والسيطرة على الحياة العملية، سمة من سمات اندفاع الشباب».

 تغيير راديكالي

 كان العمال غير المنظمين في السابق يتدفقون على النقابات، حيث تنمو النقابات العامة للعمال الأقل مهارة بشكل أسرع بكثير من الحركة ككل. في هذه العملية، يبين الكاتب كيف تغير التنظيم النقابي تماماً في بريطانيا، متجاوزاً (بالمعنى المطلق إن لم يكن نسبياً) إنجازات موجة إضرابات «النقابية الجديدة» في الفترة من 1888 إلى 1889، مع زيادة بنسبة 62 في المئة في عضوية النقابات من 2.5 مليون في عام 1910 إلى 4.1 مليون بحلول عام 1914 والزيادة المصاحبة في كثافة النقابات (نسبة العمال في القوة العاملة الذين كانوا أعضاء نقابيين) من 14.6 في المئة إلى 23.0 في المئة. وفي الواقع، شهدت موجة الإضراب الوفاء بوعد «النقابية الجديدة» من حيث التقدم الكبير المستمر في العضوية. وهو وعد لم يتم الوفاء به إلى حد كبير، بسبب الهجوم المضاد الذي شنه أصحاب العمل في أوائل تسعينات القرن التاسع عشر، والذي تضمن سلسلة من عمليات الإغلاق والهزائم الرئيسية لعمال القطن والهندسة، وغيرهم. علاوة على ذلك، فإن ما ميز بشكل حاد موجة الإضراب هذه، وما رافقها من نمو نقابي عن سابقتها في أواخر القرن التاسع عشر، طبيعتها المعممة، وأساسها الجوهري في الصناعات القائمة على المصانع التي تأثرت بشكل هامشي فقط بالانتعاش السابق، بما في ذلك توسّع الاتحاد بين النساء العاملات بنسبة 54 في المئة، ما أدى إلى إنشاء أساس موثوق لانتشار النقابات العمالية إلى ما وراء الشكل المحدد السابق المرتبط بصناعة النسيج.

 كانت السمة الجديدة المهمة هي رغبة قطاعات كبيرة من العمال في اتخاذ إجراءات متعاطفة مع الآخرين المتنازعين، داخل الصناعات المختلفة، وفيما بينها، ثم اغتنام الفرصة في كثير من الأحيان لتقديم مطالب لأصحاب العمل، مع تعهد المضربين بعدم العودة إلى العمل حتى تتم تسوية مطالب الجميع بشكل مرض. وأدى هذا التضامن واسع النطاق إلى توسيع النضالات اليومية ضد أرباب العمل الأفراد، إلى نضال ضد أرباب العمل بشكل عام، ورافقه جاذبية واسعة النطاق للنقابات الصناعية كوسيلة للتغلب على التجزئة والتقسيم المتأصل في النقابات العمالية القائمة. وأدى ذلك إلى ابتكارات في التنظيم النقابي الذي يمتد عبر العديد من الحدود المهنية والصناعية. وهكذا، في عام 1910، تم إنشاء الاتحاد الوطني لعمال النقل الذي جمع العديد من النقابات المنظمة في الموانئ في جميع أنحاء البلاد، وفي عام 1913 تم دمج ثلاث منظمات قائمة في الاتحاد الوطني لعمال السكك الحديدية، وفي 1913-1914 جرت محاولة رسمية لربط نشاط 1.5 مليون من عمال المناجم وعمال النقل ونقابات عمال السكك الحديدية في «تحالف ثلاثي» زاد من احتمالية تنظيم إضراب منسق بين فروعه الثلاثة القوية.

 قلق حكومي متزايد

 أصبح وزراء الحكومة الليبرالية قلقين بشكل متزايد من التهديد الذي تشكله الإضرابات الوطنية التي يُنظر إليها على أنها تعطل بشدة أداء الاقتصاد، فضلاً عن كونها تشكل تهديداً للنظام الاجتماعي. وأدت إضرابات إلى إعاقة البضائع القابلة للتلف وتعطيل الإمدادات الغذائية إلى حد كبير، وأدى إضراب عمال المناجم إلى توقف مليون عامل آخر عن العمل، وشل إضراب السكك الحديدية حركة البضائع والركاب. 

 استجاب مجلس الوزراء بسلسلة من المبادرات، في حين أن الاستجابة شملت انتشار مجالس التوفيق والتحكيم، واستخدام المحكّم الصناعي والمحامي جورج أسكويث، الذي لم يعرف الكلل والملل في المشكلات الصناعية لمجلس التجارة في الاندفاع من نزاع إلى آخر لمساعدة الأطراف في التفاوض على التسويات، ومختلف الإصلاحات التشريعية الاجتماعية والصناعية (بما في ذلك قانون التأمين الوطني عام 1911 وقانون الحد الأدنى للأجور لعام 1912 لعمال المناجم)، تضمن أيضاً تشجيع إجراءات الشرطة المتشددة ضد الاعتصامات الجماعية، ودعم، أو السماح بنشر مجموعات كبيرة من القوات في العديد من النزاعات الصناعية. وفي يوليو/ تموز 1911، أقر وزير الداخلية ونستون تشرشل، في مذكرة وزارية بأن الحكومة بحاجة إلى استخدام الشرطة والجيش، لأن قادة النقابات لم يتمكنوا من السيطرة على أعضائهم، وكان هناك تبنّ عاطفي واسع النطاق للإضراب. كما أدى التحدي الشديد لشرعية النظام العام وسلطة الدولة من قبل المضربين إلى مستويات عميقة من الاستقطاب الاجتماعي بين المجتمعات المحلية التي كانت توجد فيها أماكن عمل مقيدة بالإضراب، من جهة، وأرباب العمل وممثلي السلطات المدنية والشرطة والجيش والحكومة من جهة أخرى. لقد حفزت ثقافة التضامن المجتمعي والدفاع عن النفس التي شملت أقارب وأصدقاء المشاركين بشكل مباشر في الإضرابات، وكذلك النقابيين المحليين وغيرهم من مؤيدي الإضراب. وشجّع هذا الاستعداد الجماعي للاستهزاء بالسلطات القائمة وتحديها على التساؤل الجاد عن الأنماط التقليدية لاحترام «القانون والنظام» والسلوك الدستوري والولاء.

  لقد حاول المؤلف في هذا العمل مناقشة هذه الفترة الثورية وكيف أنها تعدّ أحد أهم الفترات في تاريخ النقابات البريطانية، لذلك حرص على تقديم صورة متعددة الأبعاد للسياقات والأصول والأسباب والجهات الفاعلة والعمليات والنتائج والمعاني وأهمية الثورة العمالية، مبيناً تعاطفه بشكل لا لبس فيه مع تطلعات الصراع الطبقي للعمال المناضلين واليسار الراديكالي، كما تنطوي آراؤه على الاعتراف بالطبيعة شديدة التناقض للنقابات العمالية التي تعبر عن مقاومة الطبقة العاملة للرأسمالية وتحتويها في الوقت نفسه. كما يتميز الكتاب بأنه يركز على النشاط الذاتي للطبقة العاملة، وعلى الاشتراكية من الأسفل، بدلاً من الاشتراكية من الأعلى لكل من قادة النقابات العمالية وحزب العمال، وعلى دور اليسار الراديكالي والعلاقة بين الصناعة والنضالات والأفكار السياسية والتنظيم والقيادة.

 اعتمد المؤلف في العمل على مصادر الأدلة الأولية من أوراق وزارة الداخلية ومجلس الوزراء؛ تقرير مجلس التجارة السنوي عن الإضرابات وعمليات الإغلاق؛ مناقشات مجلس العموم؛ تقارير الشرطة؛ تقارير مؤتمر النقابات العمالية؛ الصحف الوطنية والإقليمية؛ المنشورات اليسارية، وتأملات شخصية من مجموعة من المشاركين. ويقوم هيكل الكتاب على أربعة أجزاء. يلخص الجزء الأول (الفصلان 1-2) السياقات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية العامة والأسباب الكامنة وراء الثورة العمالية وتأثير اليسار. ةيستعرض الجزء الثاني (الفصول من 3-7) نطاق نشاط الإضراب وتنوعه ونتائجه، يليه سرد منظم وفق تسلسل زمني واسع النطاق لبعض حركات الإضراب الفردية المهمة والمميزة، بما في ذلك إغلاق دبلن في 1913-1914 في أيرلندا. في حين يتناول الجزء الثالث (الفصول 8-12) تقييماً موضوعياً وتحليلياً لبعض السمات الأكثر تميزاً لموجة الإضرابات، وأخيراً في الجزء الرابع (الفصل 13) الخاتمة والإرث السياسي للثورة في ما يتعلق بالراديكالية اليسارية، والتي لا تزال لها ارتدادات لهذا اليوم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن المترجم

نضال إبراهيم
https://tinyurl.com/tacbar7u

كتب مشابهة

1
زاندر دنلاب
1
داون سي ميرفي
1
مايكل كريبون

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"

المزيد من الكتب والكتاب

تغير المناخ يزيد من الهجرات في العالم
درو بيندرجراس وتروي فيتيس
1
ميريام لانج وماري ماناهان وبرينو برينجل
جنود في كشمير
فرحان م. تشاك
لاجئون سوريون في تركيا
لميس علمي عبد العاطي
1
ديزيريه ليم
1
جيمي دريبر
1
جورج ج. فيث
1
باسكال بيانشيني وندونجو سامبا سيلا وليو زيليج