مرحلة جديدة من الحرب

00:22 صباحا
قراءة دقيقتين

علي قباجه

يبدو أن الصراع الروسي الأوكراني أخذ شكلاً آخر من التصعيد أكثر ضراوة، وربما بات صعباً إن لم يكن مستحيلاً الجلوس إلى طاولة حوار، لإيجاد حل، لا سيما بعد حادثة الطائرتين المسيّرتين اللتين استهدفتا الكرملين؛ رأس الهرم في روسيا. فموسكو باتت اليوم أشد إصراراً على تغيير مسار الحرب؛ إذ إنها رأت في هذا الاستهداف رسالة غربية بأنه ليس هناك أي مكان بعيد عن الاستهداف، بما فيها الأماكن التي تعدها روسيا رمزاً لسيادتها.

 على الرغم من عدم تبني أي جهة للهجوم الأخير؛ فإن ما حدث يشكل مرحلة جديدة في الحرب، وكلا الطرفين بعد الهجوم ليسا كما كانا قبله. فمن جهتها صعّدت موسكو من خطابها تجاه أوكرانيا، والتصريحات الأخيرة التي صدرت عن دوائر صنع القرار في روسيا، تشي بأن الحرب في طريقها إلى طريق مفتوح على كل الاحتمالات عبر استهداف الساسة وصنّاع القرار في كييف بمن فيهم الرئيس الأوكراني نفسه، كما جاء ذلك صراحة على لسان نائب رئيس مجلس الأمن الروسي ديميتري ميدفيديف الذي قال: «إنه لا خيار أمام موسكو الآن إلا قتل زيلينسكي وأعضاء حكومته».

 أما كييف وعلى الرغم من نفيها مسؤوليتها عن حادث استهداف الكرملين، واتهامها موسكو بافتعال الحدث، لتجعل منه شماعة لمرحلة جديدة في حربها في أوكرانيا، فإنها لم تخفِ رغبتها في أن تمرغ جبهة الجيش الروسي بترابها قبل أن تعيده خاسراً إلى دياره، بعد أن تسترد منه كل ما سلبها من أراضٍ عبر ترويجها صراحة ومن دون أي مواربة لهجوم مضاد قوي لاستعادة أراضيها، معلنة أن سلاح المدفعية اكتملت استعداداته، بينما أوروبا وافقت على تزويد أوكرانيا بمليون قذيفة، وكثفت دعمها اللامحدود، لإلحاق هزيمة نكراء بروسيا؛ بل وصل التفاؤل لدى كييف وداعميها إلى قدرتهما على «دحر» روسيا عن الأراضي الأوكرانية خلال أقل من عام.

 هذه التطورات تشي بأن الأمور تتجه إلى الأسوأ في الميدان، فلا الغرب يكتفي عند هذا القدر من استنزاف روسيا، ولا الأخيرة تقبل بتضميد جراحها، والاستسلام والتراجع عن طموحاتها في صنع نظام عالمي جديد تحارب من خلاله القطبية الأحادية، التي انفردت بها أمريكا لعقود.

 روسيا ليست كما كانت من قبل، فلن تسمح بإسقاطها ولو تطلب منها ذلك إسقاط العالم كله بحرب يكون فيها السلاح النووي حاضراً بقوة، فعهد الإذلال بالنسبة لها ولّى إلى غير رجعة، وصراعها الآن قائم على مبدأ إما نكون وإما لا نكون، وعلى هذا الأساس، فإن من الوهم الظن أن روسيا يمكن أن ترفع الراية البيضاء لمجرد أن الغرب أراد ذلك.

 لذا فإن كرة اللهب ستتدحرج، لكن الخاسر الأكبر هي أوكرانيا التي تُخاض على أراضيها حرب عالمية؛ بل التي تنفذ حرباً بالوكالة بعدما زجها الغرب في هذه المحرقة، تحت وابل إغراءات لا تسمن ولا تغني من جوع، وإن كان الشعر العربي يقول: «اشتدي أزمة تنفرجي»، فإن موسكو وكييف أمام أزمة تشتد كل يوم ولا انفراج لها في الأفق.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc24f37e

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"