عادي
قرأت لك

«بناة الإنسان».. رحلة شغف مع أعلام الإمارات الأوائل

15:04 مساء
قراءة 4 دقائق
عبدالله عبد الرحمن

الشارقة: عثمان حسن

يؤرخ المؤلف عبدالله عبد الرحمن للحياة الاقتصادية والاجتماعية الإماراتية في كتاب «مع بناة الإنسان ومربي الأجيال»، صدر عن معهد الشارقة للتراث، والكتاب يعرف القارئ بأعلام وشخصيات ورموز كثيرة، برعت في ميادين الثقافة والشعر، والتراث، والخطابة، وفي ميادين القضاء، والتعليم، وغيرها. يسافر عبد الرحمن في رحلة مشوقة في مجالس هؤلاء الشخصيات، فيتعرف إلى أزمنة رسخت أنماط حياة لافتة، كما يحاول رسم مشاهد حية من إسهامات هؤلاء لنشر العلم والارتقاء بالوعي، والحكم بميزان العدل، وهؤلاء كما يصفهم المؤلف: يمثلون حبل الذاكرة الذي لا ينقطع، والذين كانت لهم إنجازات مهمة على صعيد التأسيس في دولة الإمارات، فهم بحق ممن سطروا بصمات خالدة في هذا التاريخ الناصع الذي يستحق أن يروى للأجيال.

جاء الكتاب في 563 صفحة من القطع الكبير، واشتمل على مجموعة كبيرة من العناوين، وملحق للصور، وتفرع عن كل عنوان مجموعة من المحاور، ومن بين عناوين الكتاب: غوص في مكنون هويتنا، تاريخ أسرة في خدمة العلم والنصح للرعاة والرعية، واضع اللبنة الأولى لبناء جيل شغوف بالمعرفة، بصمات رائدة في توقير العلماء وتمكين التعليم، حياة حافلة في أروقة العلم والقضاء ورفقة الكتاب، أصغر خطيب في دبي وصوت شجي في حب النبي، بين الأدب والتاريخ والريادة الثقافية والهم الوطني والقومي، قبسات من مسيرة التعليم وذاكرة قرن من الزمان في عجمان، بين مجالس العلماء وأمانة القضاء والطواشة والتجارة، رائد التعليم والخدمات الاجتماعية والمستشار المؤتمن في أبوظبي، بين صدى الخطب المنبرية وبحار الحكمة الشعرية، مرجعية تاريخية ورحلة عمر مع خير جليس، قوافل ومراكب عبر الصحراء والبحر من الإمارات إلى البيت العتيق، وغيرها.

*غوص

تحت عنوان «غوص في مكنون هويتنا» يبحر عبد الرحمن شطر العمق الثقافي للمجتمع ديناً، ولغة وقيماً ووعياً، مبتدئاً من الحاضنة الأولى لتلك الأساسات الراسخة وهي الأسرة والمحيط الاجتماعي الأقرب، وفي هذا الجزء يقول: «إن أهل الإمارات كانوا من أوائل الناس إسلاماً، وأرسخهم جذراً في حسن الخلق، ويكفي شعب الإمارات أنه مشمول بقول النبي الكريم: «رحم الله أهل الغبيراء، آمنوا بي ولم يروني» وهذا القول بحسب المؤلف: إنما يدل على صفاء فطرة هذا الشعب؛ إذ عرف ما يدعو إليه الإسلام من قيم سمحة تلامس جوهر الإنسان النقي.

وتحت عنوان «المجالس ورشفات دورة الحياة الثقافية بين الأجيال» يؤكد عبد الرحمن، أن المجالس والمساجد تعدان أكبر ما جمع الإماراتيين، وهما بحق القلبان النابضان، وغرفتا عملية التلاحم والتعاضد الاجتماعي، فأغلب مقابلات الكتاب كما يؤكد تمت في مجالس الكرم والترحاب للآباء والأجداد في كل إمارات الدولة وربوعها وبيئاتها المترامية الأطراف مع رشفات فناجين القهوة وحبات التمر أو الرطب، وهذا ما دفعه لتخصيص مساحة متواضعة للتعريف الموجز بالمجالس باعتبارها مدارس للسنع والشغف بالقهوة العربية كرمز للضيافة والنخوة وإكرام الضيف، وهما اليوم مدرجتان في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي في منظمة «اليونسكو».

*منصة ثقافية

المجلس كما يؤكد عبد الرحمن شكل وسيلة لنقل الأخبار ونقاش العلوم، وهو منصة ثقافية واجتماعية فاعلة مثلت أهم ركائز البنية التربوية والأسلوب الإماراتي المميز في تنشئة الأجيال أطفالاً كانوا أو شباناً، حيث كان كل أب يحرص على اصطحاب ابنه إلى هذه المجالس منذ الصغر ليتعلموا عبر المراقبة والاستماع، ويتمثلوا ويقتدوا بما يظهره الكبار من سلوكيات في الترحاب والفزعة وفن الحديث المحتشم.

وعلى صعيد الشخصيات التعليمي، يغوص الكتاب في ذاكرات عدد من الشخصيات والرموز من بينها القاضي مجرن بن محمد بن مجرن المرر، بوصفه إحدى العلامات المضيئة في مسيرة العطاء العلمي عبر قرنين، وبالمثل هناك العلامة الشيخ أحمد بن عبدالعزيز آل مبارك (1910 – 1988) الذي يمثل بالنسبة للكاتب تاريخ أسرة في خدمة العلم، وهو سليل أسرة عريقة من المشايخ والعلماء اللامعين عبر أكثر من مئتي سنة في منطقة الخليج العربي بعامة، وكانت وفاته واقعاً مؤلماً على المشاعر والنفوس في الأوساط الشعبية والرسمية في الإمارات خاصة، وفي الخليج عامة، وقد أسندت إليه رئاسة القضاء الشرعي، بعد قيام الدولة، كما حظي بتقدير القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان، طيب الله ثراه، وخلال فترة رئاسته نمت المحاكم الشرعية، وتوسعت لتكون صرحاً قضائياً تجاوز عملها الفصل في قضايا الأحوال الشخصية، لتشمل القضايا المدنية والجنائية.

ومن رموز التعليم في الإمارات يتتبع الكتاب الدور الذي لعبه محمد نور بن سيف المهيري (1905 – 1982) وفي هذا الشأن يشير المؤلف إلى كتاب «محمد نور رائد التعليم في الإمارات» لمؤلفه إبراهيم بوملحة مستشار صاحب السمو حاكم دبي للشؤون الثقافية والإنسانية الذي جمع بين الكلمة والصورة والوثيقة، ليسجل سيرة هذا الرائد الذي كان من الشخصيات البارزة التي أسهمت في تبني موضوع التعليم والتحمس له، والسير قدماً مستكملاً مسيرة من سبقه في هذا المجال من التربويين الأوائل في المنطقة.

والكتاب يتتبع طفولة هذه الشخصية، ونشأتها، وشغفها بالعلم، كما يتتبع تحصيله العلمي، وعمله في سلك التعليم، وأبرز المناصب التي شغلها في الإمارات.

*حكمة الشعر

وفي ميدان آخر من ميادين الثقافة، يسلط الكتاب الضوء على سيرة علم من أعلام الخطابة والشعر في الإمارات، وهو أحمد بن محمد بن هاشل، ويتضمن الكتاب بعضاً من أشعاره في الحكمة والمديح وغيرها من شؤون الحياة.

ويواصل الكتاب تقديمه لشخصية إماراتية بارزة هي عمران بن سالم بن عبدالله العويس، هذه الشخصية التي يصفها المؤلف بأنها مثلت تجربة نموذجية في الثقافة، فهو كان دائماً رفيق الكتاب، وهو من مواليد الشارقة عام 1932، كما يشير المؤلف إلى ما ذكره بلال البدور رئيس مجلس إدارة ندوة الثقافة والعلوم في دبي حول هذه الشخصية اللامعة، موضحاً تعلقه بكتب التاريخ والأخبار والأنساب حتى أصبح حجة ومرجعاً خاصة في ما يتعلق بالإمارات ومنطقة الخليج، وهو الذي تعلم في الهند ودرس اللغة الإنجليزية ما ساعده على الاطلاع والقراءة في المصادر التاريخية العربية والأجنبية.

الصورة
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/45t9axxm

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"