عادي

«حكايات الطائر الأزرق» عن المختبئين في زوايا التاريخ

15:38 مساء
قراءة 3 دقائق

القاهرة: «الخليج»

صدر عن بيت الحكمة كتاب لي جينغ تزه، بعنوان «حكايات الطائر الأزرق» بترجمة محمد عبد الحميد، ومراجعة وتقديم الدكتور أحمد السعيد، الذي يؤكد في مستهل الكتاب أن لكل حكاية عيناً ثانية، تراها من زوايا مختلفة، تختلف رؤيتك للحكاية تبعاً لعوامل عدة، أهمها موقعك على خريطة العالم، وهو بدوره ما يحدد لك طريقة تحليلك لما تراه، ولهذا فكل حكاية لا تنغرس في أرض خارج أرضها إلا إذا تأثرت بطين هذه الأرض، ومائها، ومن ثم تنمو مغايرة قليلاً لهيئتها الأصلية.

هذا ما يريد أن يقوله المؤلف في هذا الكتاب، الذي ينتقي خلاله بعضاً من النصوص التاريخية المعقدة من حيث الفهم والدلالة، ويجمع حولها القرائن، ويستعيد الفصول المبتورة، وينسج صورة متعددة الطبقات للعصر الماضي، إنه يحاول العثور على هؤلاء المختبئين في زوايا التاريخ وخلفه، الرسل الذين مروا بالحضارة بين الشرق والغرب، الذين طبعت آثارهم في الظل والماء، واستمع إلى أصواتهم الغامضة والمتقطعة والضعيفة، وهو يريد من ذلك أن ينبهنا لإعادة النظر في الأحداث الماضية الطويلة، بعين وطريقة مختلفة.

في هذا الكتاب – كما يشير السعيد – نستمع من جديد إلى قصص مألوفة بسرد غير مألوف، إنه تفتيش عن الإنسان بين الشرق والغرب، تارة مع المبشّر المسيحي الشهير ماتيو ريتشي الذي يستحضره من الماضي ليسأله، عما جرى، أو عن ساراماجو البرتغالي الحائز جائزة نوبل في الأدب، لكنه عند لي جينغ تزه كاتب ينتمي إلى ثقافة برتغالية بعيدة لم تكن تعرف الصين عنها شيئاً سوى حين قدمت بجيوشها لتحتل الصين، ثم تلاشت وعادت مع ساراماجو، هنا أيضاً حكايات عن دور المترجمين وأشهرهم في التاريخ بين الصين والغرب، واستشهادات من كلاسيكيات العالم غربه وشرقه، من الصين القديمة والحديثة.

يعيد لي جينغ تزه قصة اللقاء مع الإنجليزي المحتل، لكنه لا يتحدث عن السياسة، بل عن الأشخاص الذين كانوا في كواليس اللقاء الأقرب في العصر الحديث بين الشرق والغرب (الصين وبريطانيا العظمى) وفجأة وبلا مقدمة نعود في «حكايات الطائر الأزرق» إلى قراءة ستالين والاتحاد السوفييتي، والوصف هنا ليس سياسياً، بل إنسانياً وأدبياً، باطنه السياسة، وظاهره خبايا الكواليس.

في هذه الحكايات نتعرف إلى صينيّيْن كانا في لندن وكتبا أول مرسوم بريطاني للإمبراطور الصيني حينها، وهي قصة عن تاريخ الدول مغلفة بحكايات المهمّشين، وبعد قراءة هذه الحكايات نتعرف إلى تاريخ الأسر الصينية الحاكمة وأشهر إرثها المكتوب، أو كما يقال الكلاسيكيات الصينية.

يقول لي جينغ تزه عن التاريخ، إنه حياة أيضاً، تفاصيل التاريخ تشكل الحاضر وتكونه سراً: «أراها في ابتسامة، رائحة العشب في منتصف الليل، علامات المطر على النوافذ، إنها ندبة طويلة، نغمة، ضوء يومض مثل عينين في الظلام، كل هذه الأشياء لا تزال مفعمة، وتجعل الحياة حقيقة ذات مغزى».

لهذا يعيد المؤلف الفضل في كتابه إلى مؤلف آخر هو فرنان بروديل، فبعد مطالعة كتابه «الحضارة المادية والاقتصاد والرأسمالية من القرن الخامس عشر حتى القرن الثامن عشر» شرع لي جينغ تز، في كتابة هذا العمل، حين عاد به إلى القرن الخامس عشر مصدر الحداثة، حيث قلاع ومراعٍ أوروبية وأسواق أسرة مينغ الصينية وأراضيها الزراعية.

أما بشأن تصنيف هذا العمل فهي مسألة صعبة – كما يقرّ بذلك السعيد – فالكتاب يعيد قراءة الكثير من النصوص الأدبية التاريخية، بعين ناقد أدبي كبير وشهير مثل لي جينغ تزه، وهو أيضاً كتاب تحليل فكري وبحث تاريخي، كما لو كان مؤلفه باحثاً في التاريخ، يعيد عرض شذرات من تاريخ العالم، أو مقارنة تاريخ الشرق والغرب، عبر نصوص تاريخية منتقاة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc8psmyh

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"