عادي

علاج النفس بالبحث عن معنى

15:16 مساء
قراءة 3 دقائق
فيكتور فرانكل و غلاف الكتاب

القاهرة: الخليج

يعتبر عالم النفس فيكتور فرانكل زعيم المدرسة النمساوية الثالثة في العلاج النفسي، أما المدرسة الأولى فهي مدرسة فرويد، والثانية مدرسة آدلر، وفيينا هي التي أنجبت الثلاثة، لكن فرانكل حدد معلماً جديداً من معالم العلاج النفسي هو «العلاج بالمعنى» وأساس هذا أن الإنسان إذا وجد في حياته معنى أو هدفاً، فإن وجوده سيكون له أهميته ومغزاه، وأن حياته تستحق أن تعاش؛ بل إنها حياة يسعى صاحبها إلى استمرارها، والاستمتاع بمغزاها.

هذا الكتاب وعنوانه «الإنسان والبحث عن المعنى» لفيكتور فرانكل (ترجمه إلى العربية طلعت منصور) نشر في أواخر خمسينات القرن الماضي، ووضع فيه فرانكل قصة حبسه، وتعذيبه في معسكر من معسكرات الاعتقال النازي، في الأربعينات، وحين تعرض للاعتقال كان أستاذاً لعلم الأعصاب والطب النفسي بجامعة فيينا.

  • اكتشاف الذات

الكتاب سجل لخبرة من أروع الخبرات البشرية، فقد وجد الكاتب نفسه «رقماً» بعد أن كان «شخصاً» ووجد نفسه عارياً جائعاً حافياً، مجرداً من كل شيء، ووجد على جسمه بضع خرق بالية، ووجد نفسه حين يساق في طابور السجناء أنه غير قادر على أن يطأ الأرض من شدة ما في قدمه من جروح.

كذلك وجد نفسه حين يتحرك مع السجناء، هل يتحرك إلى غرفة الإعدام أم إلى عمل يتلخص في نحت الصخر بالأظافر، لم يكن يعرف شيئاً عن أهله، واكتشف فيما بعد أنهم قتلوا جميعاً، ظل في المعسكر يعاني الجوع والبرد والقسوة، وتوقع الموت في كل ساعة، هذا وصف لما وقع له في المعسكر، ولما أورده في الكتاب.

ويتميز فرانكل بأنه لا يرفض نظريات من سبقوه أو عاصروه فهو لا يرفض نظرية فرويد، ولا يرفض السعي إلى السيطرة والقوة، كما يعرضه آدلر، لا يرفض فرانكل شيئاً من هذا، وكل ما ينادي به أن الإنسان إذا وجد معنى في أي جانب من جوانب حياته، فإن هذا يكون هدفاً، يسعى إليه ويعيش من أجله، وقد وجد في المعاناة معنى، لأنه يعول كثيراً عليها في اشتقاق معنى يعيش الإنسان من أجله، كذلك وجد في بعض الأحيان معنى في الموت؛ إذ يموت المرء سعيداً من أجل معنى ديني أو روحاني أو وطني.

بذلك جاءت أفكاره عن «معنوية المنشأ» وعن «التسامي» وعن «الغاية»، ما يؤدي إلى ما يسميه الفراغ الوجودي، ويهتم فرانكل بالمستقبل أكثر مما يهتم بالماضي، اللهم إلا إذا كان للماضي انعكاساته على المستقبل، ويتلخص عمل المعالج في أن يستكشف الجوانب، التي يمكن أن يكون لها معنى في حياة من يسمى بالمريض، وعلى المعالج أن يساعده على تجميع هذه الجوانب وتعميقها وتحويلها، لتكون له مصدراً من مصادر السعي والفاعلية والحيوية والاستمرارية.

  • خبرة

يعرض فرانكل في هذا الكتاب الخبرة، التي آلت به إلى اكتشافه العلاج بالمعنى، لقد وجد نفسه كسجين مخضرم في معسكرات رهيبة للاعتقال، كل ما يملكه ذهب أدراج الرياح، إنسان هذا شأنه كيف يجد في الحياة ما يجعلها جديرة بالبقاء؟ هذا الطبيب النفسي الذي واجه تلك الظروف هل هو جدير بأن نصغي إليه؟ إن كل شخص ينبغي أن يكون قادراً على أن يرى ظروف الحياة الإنسانية بنظرة ملؤها الحكمة والرحمة.

نجد في أوروبا اليوم تحولاً ملحوظاً عن فرويد، ونجد تبنياً واسع الانتشار لما يعرف بالتحليل الوجودي، الذي يأخذ أشكالاً متعددة متقاربة، ومن بينها مدرسة العلاج بالمعنى، ومما يميز نظرية فرانكل أنها نظرية متسامحة، فهي لا تنبذ فرويد، لكنها تبني بسرور فوق إسهاماته، كما أن فرانكل لا يدخل في عراك مع الأشكال الأخرى من العلاج الوجودي وإنما يرحب بالتفاعل معها.

يتعلم القارئ الكثير مما يحويه هذا الكتاب من السيرة الذاتية، يعرف القارئ ما الذي يفعله الكائن الحي الإنساني، حينما يتحقق فجأة من أنه «لا يملك شيئاً يفقده» وما يقدمه فرانكل من وصف للتدفق المختلط بالانفعال والبلادة، إنما يستوقفنا كي ندرك كنهه، ففي هذه الحالة ينتاب الشخص في البداية برود مشوب بالدهشة، إزاء قدره، ثم تراوده بسرعة أيضاً استراتيجيات هادفة إلى المحافظة على بقايا حياته، على الرغم من أن فرص البقاء ضئيلة.

لكن لحظات الارتياح هذه لا توفر الأساس لبناء إرادة الحياة، إلا إذا ساعدت الشخص (السجين) على أن يتوصل إلى إحساس أكبر، انطلاقاً من معاناته البادية، هنا نقف على الفكرة الرئيسية للوجودية، فلكي تعيش عليك أن تعاني، ولكي تبقى عليك أن تجد معنى للمعاناة، وإذا كان هناك هدف في الحياة، فإنه يوجد بالتالي هدف في المعاناة والموت، لكن لا يوجد شخص يستطيع أن يخبر الآخر بماهية هذا الهدف.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4ca5wm3u

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"