عادي

متحف محمود عيد.. فنون من تراث البادية في مصر

22:35 مساء
قراءة دقيقتين
10
11

القاهرة: «الخليج»

يجذب متحف الفنان التلقائي الراحل محمود عيد، زوّار الواحات المصرية بما يضمه من منحوتات فريدة، تعكس ملامح تراث البادية في تلك الصحراء المصرية مترامية الأطراف، ويأخذ بخيال روّاده في رحلة عبر الزمن، تروي تفاصيل هذا التراث الموغل في القدم، بعناصر فنية مصنوعة من رمال الصحراء والطين الطفلي وسعف النخيل، وهي المكونات الأساسية التي استخدمها ببراعة في العديد من أعماله الفنية النادرة.

يقدم المتحف الذي يطل على مدينة الواحات البحرية، من فوق ربوة عالية، تسجيلاً حياً لثقافة البادية في منطقة الواحات المصرية، عبر عشرات من القطع الفنية، التي تروي هذا التاريخ، في متحفه الذي وضع نواته الأولى في عام 1995، ونجح من خلال مشاركة عدد من الفنانين التشكيليين المصريين، وخبراء التراث البدوي، في تحويله إلى صرح ثقافي كبير، يؤرّخ لحياة البادية في صحراء مصر الغربية، قبل أن يختطفه الموت عن عمر لم يناهز الخمسين.

يصعد الزائر إلى المتحف بمجموعة من الدرجات المصنوعة من صخور جبال الواحات الحجرية المطعمة بالأخشاب، قبل أن يدلف إلى داخل المتحف، عبر بوابة ضخمة صُنعت من جذوع النخيل، وعلى الطريقة نفسها التي كان يصنع بها أهالي البادية في الزمان الغابر، بوابات بيوتهم المبنية من الطين الطفلي، وتفضي هذه البوابة إلى قاعات المتحف التي تضم خمس عشرة غرفة، تحكي عبر مقتنياتها الفنية، حكايات من تاريخ أكثر من اثنتي عشرة قرية في الواحات المصرية، وتقدم إلى الزائر نماذج مجسمة لشخصيات حقيقية، عاشت في تلك القرى البعيدة، وتركت أثراً بارزاً في حياة الناس، رغم بساطة ما كانت تقوم به من أعمال.

ويعد تمثال الحاجة «عيشة»، أحد أجمل التماثيل التي تصادف الزائر إلى المتحف، وهو يجسد شخصية، تلك المرأة البسيطة، التي تصنع ما يسمي بالخبز الشمسي، وهي تجلس أمام نار التنور بملابسها البدوية، ولا ينافس تلك الشخصية في تماثيل المتحف سوى شخصية الحلاق «أحمد أبو قذافي»، وهو أحد المعمّرين الذين عاشوا بين أهالي الواحات، وكان يحترف مهنة قص الشعر، ويحصل مقابل ذلك على أجر سنوي في مواسم الحصاد، لم يكن يزيد على عيار من القمح في كل موسم، وقد اشتهر بين أهالي الواحات بإجادته اللغة الإنجليزية نطقاً، استناداً إلى عمله في الزمان الخالي، في أحد معسكرات الجيش الإنجليزي، أثناء الحرب العالمية الثانية.

تروي تماثيل المتحف العديد من ملامح الحياة البسيطة في الواحات المصرية، وطرق العلاج الشعبي في الماضي، وهو ما يجسده تمثال محمد أبو موسي، وكان أحد المعالجين المعروفين بطريقة «الكي بالنار»، وهي واحدة من طرق العلاج الشعبي في البادية، حيث يتم كي المريض في الظهر بمسمار كبير يتم تسخينه على النار في مواضع محددة، يقول الأطباء العصريون إنها مواضع الألم بالفعل، ولا ينافس هذا التمثال أهمية، إلا تلك المجموعة المتناثرة من التماثيل التي تجسد وجوهاً لأهالي المنطقة في أعمار مختلفة، ويعبّر كل تمثال منها عن حالة صاحبه النفسية التي تعكس في تمازج عجيب مختلف المشاعر الإنسانية، ما يجعل من زيارة هذا المتحف الفريد من نوعه تجربة ثرية أشبه بزيارة خاطفة للتاريخ.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/265wxswz

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"