عادي
كرّمه الرئيس الفرنسي ماكرون بوسام الاستحقاق

إنجاز ثقافي تاريخي بانتخاب أمين معلوف على رأس الأكاديمية الفرنسية

22:46 مساء
قراءة 5 دقائق
1
1

الشارقة - عثمان حسن
لا شك أن أمين معلوف سيتذكر في هذه اللحظة الحاسمة، وهذه المناسبة المبهجة في حياته بانتخابه كأول عربي في منصب «أمين عام» للأكاديمية الفرنسية، كتابه المهم «مقعد على ضفاف السين» الذي كتبه قبل سبع سنوات في عام 2016، وفيه يروي حياة الأكاديميين الـ18 الذين سبقوه إلى الكرسي التاسع والعشرين، رقم مقعده في الأكاديمية الفرنسية منذ تأسيسها، سيتذكر أمين معلوف هذه المناسبة بكل حب وشغف، و(بكل تأكيد) بارتياح شديد، وهو اليوم يترأس أعرق أكاديمية تعد بحق جسراً ثقافياً ومعرفياً بين الشرق والغرب.
ولا شك أيضاً أن هذه الأكاديمية العريقة قد أنصفت معلوف 74 عاماً، وهي الاسم العربي، والكاتب المبدع الأبرز الذي يستحق هذا المنصب عن جدارة، فتاريخه في هذه الأكاديمية، من حيث حرصه على تطوير اللغة الفرنسية كان حاضراً على الدوام في معظم مؤلفاته.
بحسب مونت كارلو الدولية، فإن شخصية معلوف «قد حظيت بالإجماع، فهو منخرط تماماً في أنشطة المؤسسة التي انضم إليها عام 2012، وله أفضلية بأمور عدة، أبرزها أنّ تبوّؤه منصب أمين سرّ دائم للأكاديمية كان ليحظى بتقدير إيلين كارير دانكوس».
اعتبر خبر انتخاب معلوف لهذا المنصب يوم الخميس الماضي خبراً ساراً لنخبة من كتاب وسياسيي العالم، خاصة أنه يشكّل التفاتة إيجابية ومقدرة لشخصية معلوف الأدبية والفكرية، وهو الذي يصفه الأدباء العرب والفرنسيون بأنه «مزيج بين الشرق والغرب» ولعل أبرز سمات هذا التقدير أنه، أي معلوف، سيظل على رأس هذا المنصب مدى الحياة.
* رمزية رائعة
توجّه جان كريستوف روفان، صديق وزميل معلوف في الأكاديمية ومنافسه في انتخابات الفوز بهذا المنصب على رئاسة المؤسسة العريقة، إلى معلوف تحت قبة الأكاديمية قائلاً: «كل أعمالك، كل أفكارك، كل شخصيتك، هي جسر بين عالمين يحمل كل منهما نصيبه من الجرائم، ولكن أيضاً من القيم. هذه القيم هي التي تريد توحيدها».
من جهتها، قالت ريما عبدالملك/ فرنسية من أصل لبناني، وهي وزيرة الثقافة الفرنسية في حكومة إليزابيث بورن، لدى وصولها إلى مقر الأكاديمية بعد الانتخابات: «إنه اختيار ممتاز، كاتب عظيم، ورجل أخوّة وحوار وتهدئة». وأكدت أن انتخاب معلوف يحمل «رمزية رائعة لجميع الناطقين بالفرنسية في العالم».
وفي لبنان، أشادت شخصيات سياسية عدة بانتخابه، حيث هنّأ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي معلوف في تصريحات نقلتها الوكالة الوطنية للإعلام، وقال: «لقد تلقيت، مثل كل اللبنانيين في لبنان وفرنسا والعالم، نبأ انتخابكم أميناً عاماً للأكاديمية الفرنسية بفخر كبير».
وأضاف: «إن خلفيتكم الثقافية المتنوعة وتجاربكم الإنسانية العميقة، التي أثرت كتاباتكم ودوركم في الترويج للغة الفرنسية وما تحمله من قيم، ساهمت في حصولكم على مكانة مستحقة بين النخبة».
* إشادة
ولقد كان لهذا الفوز وقعه الكبير في الصحافة الفرنسية، فقد أشاد ديفيد موريكواند لوكالة فرانس برس يوم الخميس الماضي بهذا النبأ السار لانتخاب معلوف على رأس الأكاديمية تحت عنوان بارز ولافت: «لقد تحدث الخالدون: انتخبت الأكاديمية الفرنسية، راعية اللغة الفرنسية، قائداً جديداً».
وأضاف: أصبح للأكاديمية الفرنسية، الوصي والمروج المرموق للغة الفرنسية بفرنسا، قائد جديد هو الكاتب الفرنسي اللبناني أمين معلوف، بهذا الاختيار أصبح أمين معلوف يحتل الرقم الـ 33 الذي يشغل منصب «الأمين العام» منذ تأسيس الهيئة في عهد الملك لويس الثالث عشر عام 1635.
ويتولى معلوف مهامه خلفاً لهيلين كارير دانكوس، التي توفيت الشهر الماضي بعد أن شغلت هذا المنصب منذ عام 1999، لتصبح أول امرأة تتولى هذا المنصب.
كان معلوف أفضل خيار لتولي هذا المنصب خلفاً لهيلين دانكوس بحسب ما أجمعت عليه التقديرات، خاصة أنه من الفائزين بالجائزة الأدبية المرموقة في فرنسا، جائزة غونكور، عام 1993 عن رواية «صخرة طانيوس»، هذه الرواية التي تحكي قصة ذلك الفتى المسيحي، ابن لميا، المرأة فائقة الجمال، حيث تدور الإشاعات حول هوية والده الحقيقي، وتدور أحداث الرواية في ضيعة كفَرْيَقْدا (الاسم الأصليّ لـ«عين القبو» ضيعة أمين معلوف من قرى المتن الأعلى في لبنان)، كما تصور صراع القوى الكبرى (الإمبراطورية العثمانية ومصر وبريطانيا) في منتصف القرن التاسع عشر للسيطرة على الجبل اللبناني، وهي الرواية التي وصفها معلوف بقوله: «هي مستوحاة بتصرف من قصة حقيقية، اغتيال البطريرك الماروني في القرن الـ 19 على يد شخص معروف باسم أبو كشك معلوف، وكان القاتل قد لجأ إلى قبرص، فأعيد إلى البلاد بحيلة من أحد عملاء الأمير ثم أعدم».
* حياته
ولد أمين ببيروت في 25 شباط/ فبراير 1949، وهو ابن رشدي المعلوف، الصحفي والكاتب والمعلم والرسام والشاعر.
وعلى خطى والده، خاض غمار الصحافة بعد دراسات في الاقتصاد وعلم الاجتماع، ولمدة اثني عشر عاماً، عمل مراسلاً رئيسياً، وغطّى سقوط النظام الملكي في إثيوبيا ومعركة سايغون الأخيرة. وتولى بعدها إدارة صحف عربية عريقة، وفي عام 1975، شهد الاشتباكات الأولى إثر اندلاع الحرب اللبنانية، قبل أن يقرر المغادرة إلى فرنسا، وهي التي علق عليها بقوله: «لقد غادرتُ لبنان بعد عام من الحرب، لكنني لا أشعر بالذنب لأنه، في مرحلة معينة، كان عليّ اتخاذ قرار المغادرة من أجلي ومن أجل عائلتي».
وفي باريس، انضم معلوف إلى مجلة «جون أفريك» الأسبوعية التي أصبح رئيس تحريرها، على خطى أدباء لبنانيين ناطقين بالفرنسية، مثل شارل قرم وناديا تويني وصلاح ستيتية، يكتب أمين معلوف بأسلوب يمزج بين القوة والسلاسة بنفحة شرقية، لكنه يقول: «إذا وجدوني في الغرب شرقياً، فإنهم في الشرق سيجدونني غربياً جداً».
* إنجازات
يزخر سجل الروائي المتميز بكتب حصدت نجاحاً كبيراً، منها 14 رواية بينها «ليون الإفريقي» عام 1986، و«سمرقند» عام 1988، و«رحلة بالداسار» عام 2000، و«إخوتنا الغرباء» عام 2020.
وقد حاز جائزة غونكور عام 1993 عن روايته «صخرة طانيوس»، «العنف والحاجة إلى الانتماء» (1998)، «الأصول: مذكرات» (2004)، «المشوشون» (2012)، وآخر أعماله «غرق الحضارات» الصادر عام 2019.
أصدر معلوف كتابه الأول بالفرنسية «الحروب الصليبية كما رآها العرب» عام 1983، وظل هذا الكتاب الذي ترجم إلى معظم اللغات الأوروبية يلقى الرواج لمدة 20 عاماً، ولم تتراجع مبيعاته خلال كل تلك المدة.
ومن كتبه الشهيرة «موانئ المشرق» عام 1996، و«الهويات القاتلة» عام 1998.
عن «صخرة طانيوس»، كتب معلوف قائلاً: «لم أبتعد يوماً عن لبنان، بل بلدي هو الذي ابتعد عني»، وقال عند عودته إلى بلده الأم عام 1993 بعد غياب استمر عشر سنوات: «لا أحاول أن أعرف إلى أي بلد أنتمي، فأنا أعيش هذه الجنسية المزدوجة، اللبنانية والفرنسية، بطريقة متناغمة».
وفي كتاب «مقعد على ضفاف السين» عام 2016، يروي حياة الأكاديميين الـ18 الذين سبقوه إلى الكرسي التاسع والعشرين، رقم مقعده في الأكاديمية الفرنسية منذ تأسيسها.
كما تحتل موضوعات المنفى والترحال والاختلاط الثقافي والهوية، موقعاً مركزياً في منشوراته المكتوبة بالفرنسية بلغة عميقة لا تخلو من المتعة السردية.
وسام الاستحقاق الفرنسي لمعلوف
كرّم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الجمعة، الكاتب اللبناني أمين معلوف بوسام الاستحقاق الوطني، في احتفال أقيم في العاصمة الفرنسية باريس، تقديراً لعطاءاته وإنجازاته في عالم الأدب.
ويُعَدّ هذا الوسام إحدى المكافآت التي تمنح للأشخاص المميزين الذين يمثلون الروح المدنية لفرنسا، والوسام على هيئة نجمة بست زوايا منقطة باللون الأزرق..وأكد ماكرون، أن «انتخاب أمين معلوف أميناً عاماً للأكاديمية الفرنسية يشرّف إشعاع اللغة الفرنسية».

 

الصورة
1

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2rjb9mf3

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"