القيادة الهادئة في اليابان

إعادة رسم منطقة المحيطين الهندي والهادئ
22:07 مساء
ترجمة وعرض:
نضال إبراهيم
قراءة 7 دقائق
1
1
1

عن المؤلف

الصورة
1
ميريا سوليس
ميريا سوليس مديرة مركز الدراسات السياسية ورئيسة قسم الدراسات اليابانية في معهد بروكينغز، حيث تتخصص في السياسة الاقتصادية الخارجية اليابانية، والتكامل الإقليمي في شرق آسيا، والاستراتيجية الاقتصادية الأمريكية في آسيا.

لماذا خرجت اليابان من «العقود الضائعة» لتصبح أكثر صلة بالعالم وأكثر أهمية للعصر الجديد؟ يحاول كتاب «القيادة الهادئة في اليابان» تقديم إجابات عن هذا السؤال من خلال التحولات التي شهدتها اليابان والتغيرات الجذرية في النظام الدولي، ويسلط الضوء على الاتجاه الذي يسير إليه النظام السياسي والاقتصادي والشعب الياباني بعد عصر آبي.

يقدم كتاب «القيادة الهادئة في اليابان» نظرة شاملة على التطور الاقتصادي والسياسي المحلي في اليابان، وأسلوب حكمها الاقتصادي، ومجموعة من التحديات الجيوسياسية التي أدت إلى حدوث تحول تدريجي ولكنه جوهري في الملف الأمني للبلاد. إن هذا الغوص العميق في مسار اليابان على مدى العقود الثلاثة الماضية، يسلط الضوء على نقاط القوة الخفية التي تتمتع بها اليابان في مرونتها الديمقراطية، واستقرارها الاجتماعي، ودبلوماسيتها الاستباقية، في حين نأخذ في الاعتبار التحديات العميقة التي تواجهها الدولة: انخفاض عدد السكان، واتساع فجوة التفاوت بين الناس، وعزوف الناخبين عن المشاركة، والتهديدات التي يتعرض لها السلام الطويل الأمد في آسيا.

يتتبع الكتاب تيارات التغيير العميقة التي تسري في النظام السياسي الياباني وبيئته الخارجية، والطرق التي لا تعد ولا تحصى، والتي أصبحت من خلالها تجربة اليابان أكثر أهمية بالنسبة إلى البلدان التي تحاول التكيف مع النمو البطيء، والتركيبة السكانية المعاكسة، والتكيف مع العولمة الاقتصادية، وظهور الصين القوية الحازمة.

تجدد النظام الياباني

يركز هذا الكتاب الصادر عن معهد بروكينغز (24 أغسطس 2023) باللغة الإنجليزية في 260 صفحة، على قصة إعادة تجديد اليابان لنفسها كقوة شبكية تحاول التغلب على الحقائق القاسية المتمثلة في تضاؤل القدرات النسبية. وفي سبيل إعادة رسم الجغرافيا السياسية لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، نشرت طوكيو استراتيجية اقتصادية قوية للتكامل التجاري وتمويل البنية التحتية، ودبلوماسية أمنية استباقية تعمل على تنمية شراكات جديدة مع الجهات الفاعلة الإقليمية وخارج المنطقة وتعميق التحالف مع الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن الانقسامات الجيوسياسية الحادة، والعزلة التي تعيشها اليابان، وإضفاء الطابع الأمني على العلاقات الاقتصادية الدولية، كل هذا يشكّل اختباراً لفن الحكم في اليابان التي تسعى أيضاً في الداخل إلى إنجاز التحولات الخضراء والرقمية ودعم رأس المال البشري، وتجنب عودة سياسة التردد، وتعزيز الديناميكية الديمقراطية.

تقول المؤلفة: «قبل ثلاثين عاماً، كان العالم يركز اهتمامه على اليابان. لقد بدت البلاد وكأنها قوة اقتصادية هائلة لا يمكن إيقافها، حيث عملت دولة تنموية ذكية على رعاية ودفع الشركات اليابانية التي كانت تستحوذ على حصص أكبر من أي وقت مضى في أسواق التصدير العالمية. ولم يكن صعود اليابان خالياً من الاحتكاكات التي هيمنت على العلاقات بين الولايات المتحدة واليابان في فترة الثمانينات من القرن العشرين. ومع ذلك، فقد انتهت فترة النمو المرتفع، وانفجرت فقاعات سوق الأوراق المالية والإسكان في أوائل التسعينات، ما أدى إلى انكماش اقتصادي حاد وانكماش طويل الأمد، وبالتالي حرمان جيل من الشباب الياباني من الفرص الاقتصادية والاجتماعية التي كانت متاحة لهم. إن الشيخوخة السكانية والانحدار السكاني، والنظام السياسي المتحجر الذي بدا غير قادر على التغيير، وعَجْز القادة اليابانيين عن التكيف مع الحقائق القاسية في فترة ما بعد الحرب الباردة، كل هذا من شأنه أن يكمل صورة الانحدار العنيد لليابان. ومع تحول اليابان إلى نموذج لما لا ينبغي فعله، توقفت عن أسر مخيلة عامة الناس».

دروس إيجابية وسلبية

وتضيف: «إن صورة الركود الياباني منتشرة على نطاق واسع ولكنها غير دقيقة، وذلك لأنها تتجاهل تيارات التغيير العميقة في الاقتصاد والسياسة في اليابان، فضلاً عن التحول الملحوظ في الدور الدولي الذي تلعبه البلاد. لا تزال التصورات الشعبية عن اليابان تنجذب نحو تصوير دولة تعاني الركود الاقتصادي، والتردد السياسي، والسلبية في الشؤون الخارجية. ويشير الواقع إلى وضع مختلف وأكثر دقة، فاليابان اليوم تقدم دروساً إيجابية وسلبية حول الكيفية التي تستطيع بها الدول المتقدمة الأخرى التعامل مع تحديات اقتصادية وديموغرافية مماثلة: الأزمات المالية، والركود المزمن، وتقلص عدد السكان في سن العمل. وفي حين أن التكيف الأكثر نجاحاً في اليابان مع العولمة الاقتصادية يقدم أدلة للدول، حيث أدت ردة الفعل الشعبوية العنيفة إلى تكثيف الضغوط الحمائية، فإن البلاد لا تزال تناضل من أجل تعزيز إصلاحات الهجرة وجذب المواهب العالمية».

وترى المؤلفة أن اليابان لم تعد صاحبة الأداء الضعيف الدائم بين الدول الصناعية، حيث أحرزت تقدماً في كسر الجمود الانكماشي، وشهدت تحسناً في متوسط نمو نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في العقد الماضي، وهو ما يتتبع نظيراتها في مجموعة السبع. إضافة إلى ذلك، تعمل العديد من الشركات اليابانية على الحدود التكنولوجية وتحتل نقاطاً مركزية في سلاسل التوريد المهمة. وعلى النقيض من العديد من الديمقراطيات الليبرالية الأخرى، نجت اليابان من موجة شعبوية تتبنى معاداة المهاجرين، والعداء لليبرالية، والقومية الاقتصادية. لقد مكّن الاستقرار الاجتماعي والسياسي في اليابان من انتهاج سياسة خارجية أكثر استباقية، خاصة في العقد الماضي، بما في ذلك الريادة في التجارة الدولية ومخططها لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ الحرة والمفتوحة في وقت تتراجع فيه التعددية، ويشتعل التنافس الجيوسياسي من جديد.

ترى الكاتبة أن مما لا شك فيه أن اليابان تواجه تحديات عميقة في الداخل والخارج. وقد اتسعت فجوة التفاوت في الدخل، في حين ظلت الأجور الحقيقية راكدة. وقد تزايدت أعداد العمال غير النظاميين، المحرومين من نفس فرص التقدم الوظيفي والأمن الاقتصادي مثل الموظفين التقليديين. لقد تأخرت الحكومة اليابانية في وضع استراتيجيات لتعزيز التحولات الخضراء والرقمية ورأس المال البشري. لم تكن اليابان واقعة في قبضة الاستقطاب السياسي، ولم يكن لديها زعماء شعبويون يستطيعون كشف السياسة الوطنية، ولكن البلاد تواجه تحديات كبيرة في إعادة تنشيط ديمقراطيتها. نجحت الإصلاحات السياسية والإدارية في التسعينات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين في تعزيز سلطة رئيس الوزراء في صنع السياسات، لكنها لم تطور نظاماً تنافسياً متعدد الأحزاب. وبالتالي، فقد ضعفت القنوات التقليدية لإبقاء المسؤولين المنتخبين خاضعين للمساءلة والاستجابة للمطالب العامة، وتزايدت لامبالاة الناخبين. وفي الخارج، أصبح الفضاء الجيوسياسي لليابان أكثر تقييداً بسبب أمريكا التي لا يمكن التنبؤ بها، والصين الأكثر حزماً، وكوريا الشمالية الأكثر خطورة. وفي أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا والسياسة الحادة التي تمارسها الصين في التعامل مع تايوان، تزايدت المخاوف من نشوب حرب بين القوى العظمى. وتعيش اليابان في منطقة متزايدة الخطورة، ولكنها لا تزال تعمل بشروط صارمة في ما يتعلق باستخدام القوة الصارمة.

يابان أكثر أهمية

بالنسبة إلى اليابان، ترى الكاتبة أنه لا يمكن إنكار الواقع الصارخ لدولةٍ تواجه اتجاهات ديموغرافية صارمة، ونمواً اقتصادياً بطيئاً، وتهديدات أمنية يفرضها الحشد العسكري الكبير لخصوم محتملين خارج حدودها مباشرة. إن الاعتراف بسجل اليابان المختلط وتضاؤل القدرات النسبية هو الذي يشير إلى اللغز الأكثر إثارة للاهتمام في قلب هذا الكتاب: لماذا خرجت اليابان من «العقود الضائعة» لتصبح أكثر صلة بالعالم وأكثر أهمية للعصر الجديد؟ ولاعباً أكثر أهمية في الجغرافيا السياسية لمنطقة المحيط الهادئ والهندي؟ يجد هذا الكتاب إجابات عن هذا السؤال في كل من التحولات التي شهدتها اليابان والتغيرات الجذرية في النظام الدولي. وفي ما يتعلق بالأولى، ثمة ثلاثة عوامل رئيسية تتسم بأهمية قصوى: مرونة اليابان في مواجهة الشعبوية، مع قدر أكبر من التماسك الاجتماعي، والاستقرار الديمقراطي مقارنة بالعديد من نظيراتها الغربية، وظهور قيادة تنفيذية سياسية سهلتها الإصلاحات المؤسسية، مقترنة بفترات من الإدارة السياسية الماهرة، واستراتيجية كبرى تتمحور حول الدفع بالاتصال لتجديد خطوط التعاون الاقتصادي والأمني في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. إن الدور الخارجي الاستباقي لليابان كان مدفوعاً باللحظة الجيوسياسية الحالية. وفي وقت حيث تستخدم القوى الحازمة القوة أو الإكراه لتغيير الوضع الراهن، وتتفاقم النزعة القومية الاقتصادية، وتصبح القيادة الأمريكية على المدى الطويل أقل قابلية للتنبؤ بها، أصبحت اليابان نصيراً أكثر صخباً للمعايير الدولية الليبرالية.

وفي حين كانت اليابان في الماضي سلبية في ما يتعلق بوضع القواعد الاقتصادية، وقللت من أهمية الدور السياسي الإقليمي، أصبحت طوكيو اليوم مهندساً مهماً في الهياكل الناشئة للتعاون الاقتصادي والأمني في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وفي الإطار الواسع لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ الحرة والمفتوحة، نشرت اليابان استراتيجية مشاركة اقتصادية تشتمل على صفقات تجارية ضخمة، واستثمارات عالية الجودة في البنية التحتية، ومبادرات الحوكمة الرقمية. وقد تم ذلك بالتزامن مع الدبلوماسية الأمنية الاستباقية التي شملت بناء القدرات للقيام بدوريات في البحار في جنوب شرق آسيا، وإقامة شراكات أمنية جديدة مع الجهات الفاعلة الإقليمية وخارج المنطقة، وتوطيد التعاون بين الديمقراطيات البحرية في الولايات المتحدة والهند وأستراليا واليابان (المعروفة باسم الرباعية).

تؤكد الكاتبة أن «اليابان سعت إلى منع التفوق الإقليمي الصيني على حساب ضامنها الأمني، الولايات المتحدة. لكن طوكيو لم تحدد التنافس مع الصين في منطقة المحيط الهادئ والهندي، وأماكن أخرى على أساس محصلته صفر. ويستمر البحث عن توازن عملي بين المنافسة والتعاون».

وتضيف: «يواجه الحكم في اليابان تحديات متنامية يوماً بعد الآخر. فإغلاق الحدود استجابة لجائحة كورونا، والتنافس الشديد بين الدول، واستخدام الاعتماد الاقتصادي المتبادل كسلاح، اختبر الهدف الأساسي للدفعة الدبلوماسية الناجحة لليابان: أن تصبح قوة شبكية من خلال استراتيجية الاتصال». وترى أن «الحفاظ على السلام الطويل الأمد في آسيا والتوفيق بين التكامل الاقتصادي والأمن الاقتصادي يشكلان المهام الحاسمة اليوم وغداً. كما أن السياسة الداخلية في حالة تغير مستمر بعد فترة من القيادة المستقرة. ترأس شينزو آبي أطول رئاسة وزراء للبلاد في تاريخ اليابان، وتنحى وسط جائحة غير مسبوقة في عام 2020، وتم إطلاق النار عليه بشكل مأساوي وقتل في يوليو/تموز 2022 في بلد لا يوجد فيه عنف مسلح عملياً. وبينما تأخذ الدولة في الاعتبار تراث آبي الضخم والمعقد، يتعين على خلفائه أن يحافظوا على ثقة الناخبين، وأن يحافظوا على وحدة الحزب، وأن ينفذوا خطط الإنعاش الاقتصادي والنشاط المستدام في السياسة الخارجية. في الداخل والخارج، تمر البلاد بمنعطف حرج، ولكن كانت هناك لحظات أخرى مُلحّة في الماضي».

يقدم هذا الكتاب نظرة شاملة للعقود الثلاثة الماضية من التطور الاقتصادي والسياسي في اليابان، بما في ذلك تجربتها مع العولمة، وتأثير وإعادة ضبط فن الحكم الاقتصادي، ومجموعة من التحديات الجيوسياسية التي أدت إلى تحول تدريجي كبير في الملف الأمني لليابان. ومن خلال القيام بذلك، فإنه يهدف إلى سرد قصة اليابان المتغيرة وغير الكاملة، ولكنها مهمة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن المترجم

نضال إبراهيم
https://tinyurl.com/4nr3z83d

كتب مشابهة

1
زاندر دنلاب
1
داون سي ميرفي
1
مايكل كريبون

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"

المزيد من الكتب والكتاب

1
ميريام لانج وماري ماناهان وبرينو برينجل
جنود في كشمير
فرحان م. تشاك
لاجئون سوريون في تركيا
لميس علمي عبد العاطي
1
ديزيريه ليم
1
جيمي دريبر
1
جورج ج. فيث
1
باسكال بيانشيني وندونجو سامبا سيلا وليو زيليج
بوتين وشي جين بينغ
ريتشارد ساكوا