عادي

«أبيض وأسود»... كتابة تبحث عن ألوان الحياة

14:44 مساء
قراءة 4 دقائق
«أبيض وأسود»... كتابة تبحث عن ألوان الحياة

الشارقة: علاء الدين محمود

تبدو الكتابة في بعض الأحيان عصية على المؤلف مهما كان مبدعاً، لكونها رغبة في التعبير عن موقفه من الحياة، وإسهاماً في تجميل وتلوين الواقع؛ إذ إن الكتابة مسؤولية، ولأنها كذلك فهي تحتم على الكاتب أن تكون لديه من الرؤى والأفكار ما يقدمها إلى الآخرين ليستفيدوا منها. كتاب «أسود وأبيض»، للكاتب راشد الحمادي، الصادر في طبعته الأولى عام 2023، عن منشورات «جدل»، يقدم فيه صاحبه رؤية للحياة، ويتكئ على خبرته والكثير من المواقف التي تعرض لها.

يقول الحمادي عن الكتاب: «جمعتُ فيه أفكاري وخلاصة تجاربي، هنا تجارب وبوح من عمق الواقع الذي عشته بصفتي مؤلفاً وكاتباً وإنساناً ومحباً للخير والعطاء لديه رغبة في تلوين الحياة بالقيم الإنسانية أضعها للجميع»، ويتنقل الكتاب بين كثير من المواضيع ذات الطابع الفكري والأدبي والإبداعي، التي تنم عن ثقافة جيدة للمؤلف الذي يعلي من شأن الكتاب باعتباره عتبة المعرفة الأول، ومصدراً مهماً لما يدور ويحدث في العالم، حيث كان حصاد ذلك الاطلاع هو تراكم القصص والحكايات والخبرات لدى المؤلف، وهو الأمر الذي يعمل على ترجمته إلى كتابات تعبر عن أفكاره الخاصة.

راشد الحمادي

الكتاب يقع في 195 صفحة من القطع المتوسط ويضم العديد من المواضيع والعناوين، مثل: «قوة الفكرة»، و«التسامح قيمة إنسانية»، و«الخوف من الخوف»، و«فوبيا الكتابة»، و«أكتب الماضي وأقرأ المستقبل»، و«فلسفة الصمت»، و«طقوس الكتابة»، و«ذاكرة المكان والسفر»، وغير ذلك من المواضيع العديدة، إضافة إلى سطور تعرف بالكاتب، وإهداء يستدعي مقولة لستيف جوبز، وهي: «نحن هنا لكي نضع بصمتنا في هذا الكون، وإلا ما فائدة مجيئنا إليه»، ولعل استحضار تلك المقولة يشير إلى الرغبة الكامنة لدى الحمادي في أن يكون مختلفاً ويضع بصمته.

*طقوس

يشير المؤلف إلى أهمية الطقوس في حياة الكاتب، وأن لكل مؤلف طقس يختلف عن الآخر في التعبير عن أفكاره، وآرائه، وكتاباته الإبداعية، ويستعرض الكتاب ذلك الأمر لدى عدد من المؤلفين المعروفين، فالتشيلية المرموقة إيزابيل الليندي، وصفت طقوس كتابتها قائلة: «أبدأ كل كتاب لي في الثامن من شهر يناير، وفي اليوم السابق أبدأ بتجهيز مكتبي، أخليه من كتبي الأخرى، وأبقي فقط على المعاجم والمسودات الأولى والبحوث الخاصة بالعمل الجديد، وفي صباح الثامن من يناير أخطو 17 خطوة من المطبخ باتجاه الملحق الصغير المقابل للمسبح؛ حيث مكتبي، هذه الخطوات هي بمنزلة رحلة تنقلني إلى عالم آخر أصبح فيه شخصاً آخر تماماً»، أما الروائي فيكتور هوجو صاحب رواية «البؤساء»، فهو لا يبدأ الكتابة إلا بعد أن يتخفف من ملابسه حتى لا يستطيع الخروج من المنزل أو الانشغال في الأمور التي ليس لها صلة بالإبداع.

ويلفت الكتاب إلى أن الكاتبة فيرجينيا وولف صاحبة رواية «غرفة تخص المرء وحده»، لا تستطيع الكتابة بمزاج إلا وكان معها قفص، وفي داخله رجل يتوسل للخروج؛ حيث كانت تستلهم من هذا المشهد تفاصيل الكتابة، وتعيش الجو والحالة النفسية، وتستطيع التفريغ والتنفيس عما بداخلها من هواجس ورغبات نفسية أدبية، في حين نجد أن الكاتب أرنست هيمنغواي الحاصل على جائزة نوبل في الأدب عن روايته «العجوز والبحر»، كان يكتب وهو ينتعل حذاء أكبر من مقاسه، ويقال إن الكاتب جيمس جويس كان لا يستطيع الكتابة إلا في سفينة وهي تجنح، وقد يصل به الأمر إلى أن يذهب ويقدم مبلغاً مالياً لقبطان سفينة حتى يشهد مثل هذه الحالة التي تسهم في استثارة أفكاره وتساعده على الكتابة، بينما نجد أن المؤلف الأمريكي دان براون صاحب رواية «شيفرة دافنشي» هو الآخر لديه طقس غريب؛ إذ كان أثناء الكتابة يطأطئ هامته ليستمتع بالكتابة مسترخياً ليستجمع أفكاره ويتماهى معها رأساً على عقب.

ويستمر الكتاب في استعراض الطقوس الخاصة بكبار الأدباء، فالكاتبة الروائية أجاثا كريستي صاحبة 66 رواية بوليسية و14 مجموعة قصصية قصيرة، أشارت إلى أن أكثر الأفكار كانت تراودها في الحمام؛ أي كانت تجلس فترة طويلة جداً حتى تجد الفكرة الملائمة، أما الكاتب غارسيا ماركيز صاحب رواية «مئة عام من العزلة»، فقد بكى عندما قتل بطله ثم رثاه، حيث كان يعيش في العمق من خلال أبطال رواياته؛ كما أن الكاتب ألبير كامو كان لا يكتب إلا عندما يكون واقفاً أمام البلكونة، في حين كانت الكتابة لا تحلو للروائي الفرنسي بلزاك إلا عندما يضع أمامه سطلاً كبيراً من القهوة يشرب من أربعين إلى خمسين فنجاناً من القهوة، وكذلك كان فولتير يشرب هذا المقدار من القهوة، ويشير الحمادي إلى الطقس الخاص به في الكتابة، أحياناً يكون مع ضجيج الأغاني والأصوات العالية وفي أحيان أخرى يذهب إلى الأماكن البعيدة عن المدن، ويختار العزلة والبقاء وحيداً في المنزل مع المكتبة ورائحة الكتب.

ويستعرض المؤلف المخاوف من خوض تجربة الكتابة والتأليف ويصفها بالشيء الطبيعي، وبالأخص إذا كان الكاتب في مستهل مشواره، وكل والخوف من الكتابة يجعل بعضهم يكتب كتاباً أو كتابين ثم يقرر التوقف عن استكمال تجربته الإبداعية، والخوف قد يكون من النقد، أو من القراء، لذلك نجد أن الكتابة تحتاج إلى الصبر والتشجيع والبحث عن الجديد والابتكار، والثقة وكسر حواجز الخوف، ويلفت المؤلف إلى أن كثيراً من الكتاب، حتى الكبار، يشعرون بذلك الخوف، لذلك لابد أن يقاوم الشباب ذلك الخوف من الكتابة، والسعي نحو صقل العقل بالقراءة والبحث عن النصوص المبتكرة وتقديم الأفضل.

*ورد وأشواك

ويشدد الكتاب على أن الفكر لا حدود له، ولابد من أن يحتفظ المرء بالفكرة التي تداهمه وتلمع في عقله، لا أن يقتلها وهي لا تزال في مهدها؛ بل عليه أن يعمل على تطويرها وتحويلها إلى حقيقة على أرض الواقع، فالفكرة مهما كانت بسيطة أو سخيفة أو ضعيفة، أو لا معنى لها، لكنها في الواقع قد تكون أعمق وأقوى مما يتصور المرء، حيث إنها هي بداية للأحلام التي يعيش فيها الإنسان، وهي ملخص للتجارب والخبرات في الحياة، ويمكن أن نربط أفكارنا بالسعادة التي نرغب في أن نعيشها، فالفكرة يمكن لها أن تتجاوز المسافات والأماكن والعقول، وهي التي تجعلنا نشعر بنشاطنا وقوتنا وذكائنا، ويمكن لها أن تغير سلوكياتنا في الحياة إلى الأفضل، ويمكن أن تخلق منا أبطالاً شجعاناً، ويقول الفيلسوف سقراط في هذا الصدد: «بالفكر يستطيع الإنسان أن يجعل عالمه من الورود أو الشوك».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5f9p29ap

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"