عادي

وكفى بالله وكيلاً

23:12 مساء
قراءة دقيقتين
رغيد
رغيد جطل

رغيد جطل

يجِدُ الإنسان في هذه الدنيا لتأمين سبل العيش له ولمن يعول، ويبحث في سبيل ذلك عن مصادر للرزق، فإذا ما وفُق لعمل ما يختلف عمّا كان فيه، اعتراه القلق مما هو قادم عليه، وأطلق لخياله العنان في البحث عن سلبيات العمل الجديد، وأنه قد لا يستمر به طويلاً، متناسياً أن من وفقه في عمله الأول، وهيأ له أسباب الرزق منذ ولادته لن يتخلى عنه، فما الحل لحالة الإنسان هنا؟

في البداية القلق من الأحاسيس الطبيعية التي تلازم الإنسان في شتى مجالات حياته ومن البدهي أن الأمر كلما تعلق بالرزق واستدامته ازداد القلق والخوف، فالإنسان يخشى ضياع الرزق أو قلته، ولأن الله يعلم من حال عبده هذا، فإنه أقسم بذاته أنه لن يتخلى عنه ولن يضيعه (وَفِي السَّمَآءِ رِزقُكُم وَمَا تُوعَدُون فَوَرَبِّ السَّمَآءِ وَالأَرضِ إِنَّهُ لَحَقّ مِّثلَ مَآ أَنَّكُم تَنطِقُون) الذاريات:22، 23

لذا العبد المؤمن يخفف من قلق نفسه عبر تذكيرها بأهمية التوكل على الله والاعتماد عليه، فالتوكل هو تفويض الأمر إلى الله بعد الأخذ بالأسباب، والله سبحانه أمرنا بالتوكل عليه في كل كبيرة وصغيرة، ونهانا عن خلافه وهو التواكل، والتوكل ليس قولاً باللسان أو عملاً بالجوارح فحسب؛ بل هو إيمان ويقين في القلب؛ لذلك جعل القرآن التوكل صفة أساسية في المؤمنين، فقال عز وجل: "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ" [الأنفال: 2].

فالعبد الذي يترك الأمر لربه ويرضى بمشيئة الله لا يفزعه المستقبل وما يخبئه له من مفاجآت، ويعوض الخوف بالسكينة والطمأنينة إلى عدل الله ورحمته. قال تعالى: " وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ " الطلاق: 3 أي كافيه ما أهمَّه وأحزنه، وهذه الآية تفتح باب الأمل والرجاء في قضاء الحوائج، فمن اعتمد على الله ووثق به فإن الله كافيه " إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ " الطلاق: 3، فالتوكل على الله هو زاد روحي للتغلب على الخوف، وهو الذي يعطي المؤمن بسمة أمل أمام أحلك الساعات.

فالعبد المؤمن يسعى في سبب كل شيء ويفوض أمره لله وقد ييسر الله له ما أراد فيكون له بذلك الخير، وقد يصرفه عنه ما ييمناه لييسر له الله أمراً فيه الخير له في دنياه وآخرته، والتوكل الذي أمرنا به هو التوكل الحقيقي فلقد ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم (لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً).

للتوكل فوائد عظيمة منها أنه يعلم العبد معنى اليقين الحقيقي بالله سبحانه وتعالى، فالعبد بتوكله على الله فكأنه يقول يا رب لقد خرجت من حولي وقوتي ولجأت إلى حولك وقوتك، وفيه اعتراف من العبد بضعفه فعلمه وماله وجاهه لن يغنوا عنه إن لم يوفقه الله، اللهم اجعلنا من الذين يفوضون أمرهم إليك ويتوكلون عليك والله نعم المولى ونعم الوكيل.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5bmem3ae

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"