عادي
تركيبات بصرية تملأ فراغات الروح

أعمال تتجاوز المحسوس في «الفنون الإسلامية»

00:15 صباحا
قراءة 4 دقائق
عمل للفنان أحمد قشطة

الشارقة: عثمان حسن

تؤكد الأعمال المشاركة في مهرجان الفنون الإسلامية في دورته ال 25 على تلك القوة الكامنة، أو المحجوبة خلف الكثير من الوقائع المادية التي نشاهدها في حياتنا المعاصرة، لكنها تحتاج منا إلى تشغيل أو إعمال أقصى ما لدى النفس البشرية من قوى كامنة، هي قوى تتجاوز المنظور أو المشاهد، أو الواقعي، نحو مناطق متخفية، وقوى باطنة تحتاج إلى قوة روحية كاشفة، هي قوة قادرة على تهميش الواقع المرئي بصلفه وجبروته، قوة تتجاوز المادي والملموس نحو تجربة عقلية وحسية كاشفة ما أحوجنا لتأملها واختبارها.

استكشاف الروح الداخلية هو محور عمل الفنانة السعودية رغد الأحمد الذي جاء بعنوان «وين صليت وين ادعيت، ليلة القدر مثلك وعيت».

وتحيل مفردة الدعاء هنا إلى ممارسة تعبدية تنظر إليها الفلسفة الإسلامية بوصفها تشكل الحلقة الأخيرة إلى أسباب الخير، والمتصوفة الإسلاميون يرون أن استجابة الدعاء تكون على درجتين: الاستجابة بالتحقق العيني، والثانية بالتحقق الغيبي، وهذا يتحقق من خلال نتائج كثيرة كحصول المغفرة، والخير، هنا، يدخل المرء في تجربة شفيفة من تأمل الذات، وما يكتنز الوجود من روح سابحة تتأمل الملكوت، نحو مرحلة أخرى من اليقين وهو غاية العبادة حيث تتجلى عظمة الخالق التي يمكن استشفافها من خلال تأمل تلك التجارب الصغيرة التي يمر بها الإنسان.

بهذا المعنى يقدم عمل الأحمد دعوة للزوار للبحث عن الشفاء من خلال تجربة تأملية ذاتية عبر الدعاء، وبالاعتماد على تراث التصميم المعماري الإسلامي كأسلوب حياة، وهي في هذه التجربة الملهمة ترغب في نقل علاقة الحب الروحية إلى الجمهور، من خلال عمل تركيبي يجمع بين الوسائط الفنية الروحية والمعاصرة.

ورغد الأحمد فنانة تجريبية متعددة الوسائط تحرص في أعمالها على تقديم مجموعة متنوعة من هذه الوسائط مثل الكولاج والنحت والتجهيزات الفنية والأفلام الرقمية كوسيلة للتعبير، كما تبدع أعمالاً غزيرة باستخدام عناصر مألوفة من العمارة الإسلامية مدموجة مع عناصر وأشكال وتصميمات حضرية لاستشفاف المقدس والمتواري ما وراء الكيانات المادية المتناثرة في المكان.

التجلي

«اللانهائية والتجلي» هو عمل للفنان أحمد قشطة من إسبانيا، يقدم من خلاله تجربة هي نتاج تفاعل العلاقات المجردة والبحث الدائم وراء النسبة وأسرارها، فالجمال كما يرى الفنان قشطة كله نسب، والموسيقى نسب، والشعر والعمارة نسب، كما هو حال الظل والنور واللون، والتراتيل والمزامير، فكل شيء بمقدار، وفي هذا السياق يأتي عمل قشطة للتعبير عن مفهومه للفن الإسلامي، حيث اكتشف أنه وجد لكي يسكن القلب، وينقش برقة رسالة محفورة على جدار العقل، وينفذ سائغاً إلى عمق كيان الإنسان ويخاطب فيه الزمان والمكان، حيث أنفاس الغائبين، ويجود بجماله ليملأ فراغات الروح ويتركها سارحة في الملكوت تسبح بحمد الله.

وغني عن القول إن الفنان يريد من خلال هذا العمل أن يؤكد على نسبية الأشياء، فلا شيء دائماً في حياة الإنسان، تلك الحياة المتحولة ما بين ضفاف الحزن والفرح، والألم، والمرض والصحة، والفقر والغنى، والحياة والموت، هي ضفاف متبدلة تدعونا لتمعن الحياة بطريقة أكثر عمقاً وإشراقاً من خلال تفحص ذواتنا الداخلية وما يحيط بها من مؤثرات وتبدلات.

يستوحي قشطة عمله من لعبة الشطرنج، فيقدم تركيباً نحتياً يركز فيها على «الجندي» حيث يتكاتف الجنود على الجدران بتنويعات لا نهائية من الاحتمالات الرياضية، تماماً كالمشربيات العتيقة في حواري المدينة، حيث يتسلل الضوء من فتحاتها الدقيقة، وهي تكسر أشعة الشمس الحارقة، لكنها تبقي قبساً من نورها، وهي إذ تشتت قوة الشمس إلا أنها لا تلغي حرارتها، بل ترشد طيشها وتهذب حضورها وتجليها.

في هذا العمل النحتي يرى قشطة أن الجندي هو اللبنة الأولى في جدران الحماية والأمان، وهو القاسم المشترك في مختلف حكايات التاريخ في طبقات الحضارة الإنسانية، وأن الجندي قد يرتدي زياً جديداً، وقد يبدل أسلحته ودروعه، لكنه يظل حاضراً بروحه، وهو حضور يطغى على الأشياء، وفي فلسفة لعبة الشطرنج أيضاً، فعلى الرغم من أنه العنصر الأضعف إلا أنه الوحيد القادر على التحول.

والفنان قشطة تنقل بين مصر وإسبانيا وألمانيا فدرس على يدي كبار أساتذة الفنون، وقد اختط لنفسه تجربة تعتمد في ما تعتمد على هشاشة ومرونة التجهيزات الفنية المكونة من مواد خفيفة وبسيطة.

قوة الضوء

في عمل آخر للفنانة الإماراتية سارة الخيال، يقف المشاهد أمام أنماط أو أشكال تظهر كمرشحات للضوء من خلال لوحة خشبية، وهي اختارت عنواناً لعملها هو «القوة حيث يكمن الضوء» وفي هذه التجربة تختبر سارة الخيال قوة الضوء على المرشحات من خلال أربعة عناصر أو مؤثرات هي: الضوء نفسه، الهالة، الإرشاد، والفكر.

يحاكي هذا العمل فكرة التجسيد في الثقافة الإسلامية، التجسيد الذي يطمح لتشكيل إنسان نقي يقع في منطقة وسطى بين المادة والروح، هي تجربة تنفتح على الذات، من خلال قوة الضوء حيث ترى الفنانة أن عملية التجسيد ما هي إلا قوة ملحوظة تضيء حياتنا، إنها كضوء مشع يمكننا الاستفادة منه، ولكنه يحتاج إلى توجيهنا، إنها كالهالة غير المرئية تلتف من حولنا، وفي هذا العمل تعمل الأنماط أو التشكيلات الضوئية والنفسية وربما الإيحائية، كأدلة يجب أن تذكرنا بأهمية أن نكون واضحين بشأن ما نريد أن نجسده، بتكرار أفكارنا ونوايانا، حيث يسمح هذا النمط في العمل المذكور للضوء بالتألق بقوة في لحظات التأمل الذاتي.. والتجسيد بحسب الفنانة هو ممارسة مركزة، تحثنا على تحديد أهدافنا بوضوح، وتكرارها بانتظام والبقاء حازمين في مسعانا.

الضوء هنا، هو المصدر، والطاقة وراء التجسيد.. الهالة تمثل الطاقة التي تحيط بنا، والإرشاد يذكرنا بأهمية أن نكون واضحين بشأن رغباتنا، والنمط الفكري هو المفتاح، حيث يساعد في تنقية النوايا وتحقيقها، كما يذكرنا العمل بقدرتنا على تشكيل واقعنا، بالتركيز على ما نريد، ومراقبة كيف تتجسد أنماط رغباتنا في حياتنا.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/2u66xu7y

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"