عادي
أعمال تبحث عن النور الداخلي للإنسان

«مهرجان الفنون الإسلامية» رحلات في دروب النفس

19:55 مساء
قراءة 4 دقائق
عمل لفرانسيسكو ميراندا بعنوان «تمدد الزمن» - لوحة للفنان خالد حنيش بعنوان «قباب»
الشارقة: علاء الدين محمود
من أكثر الأشياء التي تميز «مهرجان الفنون الإسلامية»، في دورته الـ25، تلك الأعمال التي تعكس تجربة البحث واكتشاف الجمال في كل شيء، في رحلة تجليات وتنقيب مفعمة بالمتعة البصرية عن الدلالات الروحية التي تجلب السكينة والراحة النفسية للمشاهد والناظر في تلك الأعمال المستمدة من تقاليد الفن الإسلامي، ولعل شعار المهرجان لهذه الدورة «تجليات»، المحرّض على التخيل والتحليق في عوالم بعيدة، قد وضع الفنانين أمام تحدٍّ جديد زاخر بالاكتشاف، عبر تلك الحوارية التي أجروها مع مفردات محيطة بهم فرفعوا قيمتها من «بسيطة» إلى عظيمة وغنية بالجمال.
الفنان العراقي خالد حنيش شارك بعدد من اللوحات التي تنتمي إلى فن الحروفيات، ومن ضمنها لوحة «قباب»، تلك التي تأخذ الناظر في رحلة سفر صوفي مفعم بالروحانيات والأنوار والفيوض والمدد الروحي، حيث يتأمل المشاهد في اللوحة تلك القباب التي ترمز إلى عوالم بعيدة ومجيدة، حيث إنها تشير إلى المقامات التي تُزار لأولياء الله الصالحين من عباد الله الذين عُرفوا بالتقوى والزهد.
وتعبر اللوحة عن تلك العوالم بمشاهد مختلفة منها صور القباب بالألوان المعروفة بها وعلى رأسها اللون الأخضر الذي يرمز، كما يرى أصحاب التجارب الروحية، إلى الجمال الصافي، وهو كذلك لون لطيف يوحي بالحياة المطمئنة، كما أنه اللون الذي يرمز إلى النفس الراضية، وكذلك فإن الأزرق هو لون السماء وله مدلول روحي في التصوف، إذ إن النفوس عند رؤية اللون الأزرق في السماء والبحار والأنهار تحس بالسعة والنعيم والراحة فلا تمل من المشاهدة، كما أن اللون الأصفر المستخدم كذلك في اللوحة له دلالات مختلفة، فهو يشير إلى الابتلاء والسرور في الوقت نفسه، كما يعبر عن الجمال والجلال والنفس اللوامة.
تتزين اللوحة كذلك بالحروفيات، فهي تحمل اسم الجلالة، والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وذلك أمر متبع في اللوحات التي تعبر عن القباب والعوالم الروحية البديعة حيث الوهج والفيوض والإشراق، ولعل المشاهد يلاحظ كذلك تلك الأهلة التي تعتلي القباب، والتي تتخذ اتجاهات مختلفة لتدل على أن رسالة الإسلام قد وصلت إلى كل أنحاء العالم.
ويعد حنيش صاحب تجربة طويلة مع الجمال والإبداع، فهو حاصل على دبلوم من معهد الفنون الجميلة، ولديه خبرة تصل إلى ثلاثين عاماً في الرسم والفنون التشكيلية، حيث أقام 20 معرضاً شخصياً ومشتركاً في العراق والأردن ولبنان وأمريكا والإمارات، وحصل على 15 شهادة فنية تقديرية من مهرجانات فنية وبيناليات ومعارض فنية في الإمارات من 2014 إلى 2021، يعمل حالياً مدرساً لمادة الرسم في مؤسسة الشارقة للفنون.
*أنوار ساطعة
الفنان الأرجنتيني ماتياس دي فالسيس، يأخذنا هو الآخر في تفاصيل رحلة ساطعة بالألوان المعبرة عن حقائق الوجود والنفس البشرية في توقها إلى الحكمة عبر عمله المميز «رحلة النور»، وهو تكوين يحمل دلالة النور بصفته رمزاً شديد القوة والتأثير في إحالة إلى رحلة بحث عن الحكمة.
ويحمل العمل المعاني التي يشير إليها النور كونه مرشداً ينير دروب المعرفة الداخلية المظلمة منذ عهد الفلاسفة القدماء وصولاً إلى مختلف التقاليد الروحية، وفي هذا السياق، فإن التكوين أو التجهيز الفني لماتياس ينغمس في لقاء يجمع بين المكان والزمان والهوية المتجذرة في الثقافة الإسلامية، حيث يجعل المتلقي يتعمق في تأمل واستكشاف الروابط الغامضة الموجودة بين النور والمعرفة وامتلاء الوجود من خلال الغوص في هذه الرحلة الروحية البديعة.
والتجهيز يعتمد على تقنيات متعددة تعين المشاهد في السفر الروحي، حيث يلعب الصوت في هذا التكوين دوراً مهماً ومؤثراً في الحواس، إذ إن الأصوات التي يصدرها تجعل المرء يحلق في سماء مفعمة بالحب والجمال والتأمل في الوجود وفي الدواخل.
التكوين كذلك يعمل بطريقة معينة، فهو ينتقل بالمشاهد إلى لحظات مختلفة تبدأ من الظلام وتنتقل إلى النور، وتعبر عن الرحلة الشخصية التي يقطعها كل فرد نحو الكمال والحكمة والألق الروحي، وقد اختار الفنان دمج الأنماط الزخرفية بسبب ارتباطها العميق بالثقافة الإسلامية ولكونها جزءاً أساسياً من قيمتها الفنية وتقاليدها المعمارية، فهي تزين الآثار والمباني الإسلامية عبر التاريخ من خلال أشكال هندسية محتشدة بالضوء بطريقة معقدة، وتلك العملية تشير إلى رحلاتنا الشخصية نحو الفهم والتنوير.
ولعل تخصص ماتياس، هو الذي قاده إلى هذا العمل والتجهيز المعقد، فالفنان درس الهندسة المعمارية في مدينة «روزاريو»، وتخرج عام 2013 مع وسام الشرف لأدائه الأكاديمي المتميز أثناء تعليمه، كما افتتن بالأدوات والتكنولوجيا الرقمية لدرجة أن استخدام التصنيع الحاسوبي وقواطع الليزر أصبح من الأدوات المتكررة في تصميم أعماله، ويجمع ماتياس بين الضوء والمادة ليخلق إحساساً بالحركة الحيوية، ويتلاعب بالطريقة التي ينتشر بها الضوء، ما يخلق وهم الحركة، فتبدو أعماله شديدة الحيوية كأنها تعبر عن مشهد نابض بالحياة.
*مفهوم التجلي
أما الأرجنتيني الآخر، الفنان فرانسيسكو ميراندا، فهو يقترب كثيراً من مفهوم «التجلي»، عبر عمله المميز الذي أطلق عليه اسم «تمدد الزمن»، وهو العمل الذي يركز على الوضوح والوحدة العضوية الموجودة في الفنون الإسلامية جنباً إلى جنب مع إعادة تفسيرها في سياق الفنون البصرية المعاصرة.
العمل يخلق تفاعلاً ديناميكياً بين الضوء والشكل والحركة، عبر الأعمدة الواضحة في مشهد التكوين، إذ تمثل الأشكال المميزة لكل عمود التجليات المتنوعة التي تنبثق من البساطة، كما تُضاء الأعمدة من الداخل، وينبعث منها وهج ناعم يحوّلها إلى أجسام منحوتة مضيئة، وبالتالي يرمز الضوء إلى ظهور المعرفة والتنوير في الفنون الإسلامية.
العمل يدعو المشاهدين إلى تجربة الرحلة الدائمة للتجلي والوضوح الكامنة في نسيج الفن الإسلامي، كما يُشجع على التأمل في طبيعة الفنون بصفتها وسيلة للتعبير عن الجمال الروحي، ويلاحظ اهتمام الفنان بالتفاصيل التي قد تبدو صغيرة لكنها عامرة بالجمال المدهش.
والفنان فرانسيسكو ميراندا صاحب تجربة جمالية وإبداعية، حيث درس التصميم الجرافيكي في جامعة «بوينس آيرس»، كما شملت ممارسته الفنية الرسم التوضيحي والفنون البصرية والتصميم الصناعي، وشارك في العديد من المعارض الجماعية في أرجاء مختلفة من العالم.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/yc6uasem

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"