عادي
منصة لمختلف الاقتراحات الجمالية والفكرية

مهرجان الشارقة للشعر العربي... ديوان باقٍ

00:37 صباحا
قراءة 4 دقائق
1
مشاركون في فعاليات الشارقة للشعر العربي ( أرشيفية)

الشارقة: علاء الدين محمود
على الرغم من تعدد الأشكال والأنماط الأدبية في عصرنا الحالي، إلا أن الإنسان العربي دائماً ما يتلفت بقلبه نحو الشعر ذلك الإبداع الذي عرف به العرب، وتفننوا في نظمه على بحور وقوافٍ، لتخلد في الذاكرة العربية العديد من الأسماء التي سطعت كنجوم لامعة في سماء القصيد منذ القدم، فقد خلدها الشعر كما أنها أسهمت في بقاء ذلك الجنس الإبداعي الذي شغف به العرب فصار حافظاً لأيامهم وأمجادهم ومناسباتهم الاجتماعية المختلفة، وشكل لديهم ذاكرة لا تنطفئ بمرور الأزمان حتى صار يعرف عندهم ب«ديوان العرب»، نسبة لمكانته وأهميته وموقعه المؤثر في قلوبهم.

في هذا السياق، فإن «مهرجان الشارقة للشعر العربي»، الذي تنظمه دائرة الثقافة في الشارقة، هو من ضمن المناسبات الثقافية والأدبية الكبيرة التي تحتضنها إمارة الإبداع والثقافة، فهو بمثابة منصة للشعر وقضاياه من حيث طرح الرؤى والأفكار المتعلقة به، وظل المهرجان يحمل تلك الراية السامقة منذ بدايات انطلاقه بعد تأسيس بيت الشعر عام 1997، حتى صار اليوم أكبر العلامات المضيئة والمتوهجة بحضور الشعر والشعراء على المستويين المحلي والعربي.

احتل المهرجان مكانة بارزة في الخارطة الثقافية ليس على مستوى الدولة فقط، بل والعالم العربي أجمع، كما أنه خرج عن المألوف في تنظيم المهرجانات التي دائماً ما تسير على نمط واحد، فقد نجح «الشارقة للشعر العربي» في أن يجدد أفكاره، فبات يهتم بالاتجاهات والأشكال الجديدة والحديثة في حركة الشعر العربي، إلى جانب اهتمامه بالقوالب والأشكال الشعرية القديمة، وظل يحتفي بأجيال الشعر من الشباب والمخضرمين على حد سواء، من خلال تكريمهم والاحتفاء بهم وطباعة دواوينهم، وصار كذلك يستقبل المبدعين من القارتين الإفريقية والآسيوية وكافة أنحاء العالم، عاكسا حالة فريدة من الحيوية والاستمرارية والازدهار.

رسخ المهرجان الشعر وثقافته وذائقته من أجل أن تظل شعلة «ديوان العرب» باقية ومتوهجة، من خلال فعاليات مبتكرة ومختلفة ومحملة برؤى وأفكار تسهم في تطور القصيدة بكل أشكالها وألوانها، وظل منصة للشعر العربي الفصيح لما يمثله هذا الإبداع العربي من قيم وتقاليد تتكىء على الثقافة والحضارة العربية والإسلامية، وتلك هي المعاني التي يحملها المهرجان ويعمل على استدامتها بين الأجيال.

كما أفسح المهرجان مجالاً واسعاً للاحتفاء بالنقد الشعري العربي من خلال استضافته لأبرز النقاد العرب، وهو بذلك يعد من أكبر المهرجانات الشعرية المتخصصة على المستوى العربي ويشكل حالة متوهجة للقصيدة العربية، ويسهم في إعادة التواصل واللحمة بين الشعوب العربية من خلال الشعر، ويمثل منصة جامعة بين مختلف الاقتراحات الجمالية والفكرية.

أضحى المهرجان الذي تنطلق دورته ال 20 يوم غد الاثنين في تطور مستمر، وكانت دوراته السابقة بمثابة محطات مهمة في تاريخه على مستوى الفعاليات والبرامج، وتنظيم الأمسيات الشعرية والنقدية، وهو بالتأكيد ليس مناسبة لإلقاء القصائد فقط، بل ملتقى يهتم بكل مجالات الشعر، وتياراته المتجددة، مع الحفاظ على السمات والمرتكزات الأساسية للشعر، ورعاية الموروث.وقد استضاف المهرجان منذ انطلاقته الباكرة مئات الشعراء العرب، واهتم بالإصدارات الشعرية، والاحتفاء بتواقيع الكتب والإصدارات الجديدة للشعراء المشاركين، ولا ننس في هذا الإطار تخصيصه للعديد من الجوائز التي تمنح لكبار الشعراء والشباب المبدع من كل الأقطار العربية، الأمر الذي كان له كبير الأثر في تجدد الاهتمام الشعبي والجماهيري بالشعر العربي، وكان للاهتمام بالشعراء العرب وتحفيزهم، ودعمهم، كبير الأثر في عودة العديد منهم نحو نظم الشعر، بعد أن كادوا يتركونه بفعل مشاغل الحياة، ما أعاد البريق مجدداً ل«ديوان العرب»، بعد أن كادت الساحة تترك الشعر لمصلحة الأجناس الأدبية الجديدة، كما امتدت حركة المهرجان إلى خارج نطاق الإمارات، وأسهمت في تفعيل منجز الإبداع الشعري العربي، وأعادت للشعر مكانته المركزية في قلوب العرب، فعادت الروح له لكي يظل منارة للتاريخ الإبداعي والحضاري، ولعل من أجمل إشراقات المهرجان هو تواجد أجيال مختلفة من الشعراء العرب في منبر واحد، الأمر الذي جعل منه حوارية تظهر صورة راهن الشعر في تمازجه الإبداعي، وانفتاحه على كل جديد في مجال الشعر والنقد على حد سواء.

وفي الدورة الحالية للمهرجان، تنفتح مرة أخرى النقاشات التي لم تنقطع حول راهن الشعر العربي ومستقبله من خلال جوانبه المتعددة، وبصورة خاصة اللغة العربية الفصحى، وهي قضية مركزية في المهرجان الذي ظل بالفعل يعمل على الارتقاء باللغة الفصيحة ويدعمها، ويعزز مكانتها، حيث يتناول النقاد والأدباء والمختصون في هذه النسخة من المهرجان قضية «تطور لغة الشعر العربي»، حيث يمارس المشاركون بذلاً فكرياً على مستوى كيفية تطور اللسان العربي في ظل تلاقيه وتعارفه بالثقافات الأخرى، وكيف كان لذلك الأمر تأثير في المفردة الشعرية، كما تنفتح النقاشات على مسألة تطور البينة اللغوية منذ العصر الجاهلي إلى الوقت الراهن الحديث، كما يناقش المختصون حضور الصورة واختلاف دلالاتها في لغة الشعر العربي، وغير ذلك من القضية التي تجعل من المهرجان حدثاً فريداً على مستوى الشعر والأدب.

ويتواصل المدد الإبداعي في الدورة الحالية التي تشهد احتضان «دارة الدكتور سلطان القاسمي»، لحفل توزيع جائزة القوافي الذهبية 2023 «حوليات القوافي»، لشعراء وشاعرات ساهموا بإبداعاتهم الشعرية في مجلة القوافي خلال 12 عدداً في العام 2023، وذلك يشير إلى الدور الكبير الذي لعبته الإصدارات الشعرية التي اهتم بها المهرجان، في توصيل رسالته، وفي ترسيخ دور الشعر، والتثقيف به، لما يمثله من مكانة كبيرة في قلوب العرب.

الشعر والمسرح

إلى جانب الأمسيات والأصبوحات الشعرية التي يسكب فيها الشعراء عصارة إبداعهم، فإن المهرجان في دورته الحالية على موعد مع فعالية مبتكرة، حيث ستشهد الدورة الحالية مزواجة بين الشعر والمسرح، من خلال مسرحية «مجلس الحيرة»، من تأليف صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، لمسرح الشارقة الوطني، وذلك احتفاء بنمطين إبداعيين، وتكريما للحيرة ومجلسها ودورها في حياة الأدب والإبداع، فقد أخذت الحيرة في الشارقة اسمها وهو اسم ضارب في التاريخ العربي القديم، يعود إلى آخر العهد الجاهلي، وكانت الحيرة عامرة بمجالس الأدب والشعر منذ أيام المناذرة والغساسنة، والعرض المسرحي يطل على تلك العوالم المشرقة العامرة بقيم الجمال والأدب المترسخ في الثقافة العربية منذ القدم

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/2pk44etk

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"