عادي

انطباعات القراء.. العملة الأكثر رواجاً

22:51 مساء
قراءة 5 دقائق

القاهرة: وهيب الخطيب

مع زيادة مساحة مواقع التواصل الاجتماعي وسيطرة المنصات الرقمية على اهتمام القراء، شهدنا نقلة كبيرة في عالم الكتابة الأدبية، ونمت فيه حدائق من الإبداع المختلف والمغاير، وجذب الأدب إليه فئات جديدة من المتلقين، على اختلاف توجهاتهم، وأعمارهم، وتخصصاتهم، وأذواقهم، بالتالي خدمت الكُتّاب والجمهور في الوقت نفسه، وخلقت جمهوراً جديداً لم يكن موجوداً من قبل، لكنها أيضاً كان لها أثرها المنعكس، شكلاً ومضموناً، على الكتابة والتلقي.

إلى أي مدى تتأثر حركة النقد الأدبي بوجود منصات التواصل الاجتماعي، التي أصبح من خلالها يُمارس النقد، وأحياناً من بعض القراء الذين يقدمون انطباعاتهم عن اﻷعمال التي يقرأونها، وهو اتجاه عززه موقع «جودريدز» المتخصص في استعراض آراء القراء في الكتب والمؤلفين، ويعطي مساحة أكبر لانطباعات القراء التي باتت العملة الأكثر رواجاً على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا تعبأ هذه الانطباعات بآراء النقاد التي توارت، ولم يعد ينتظرها القارئ.

يقول الدكتور حسين حمودة، أستاذ النقد الأدبي بجامعة القاهرة ورئيس تحرير مجلة فصول «نعم طبعاً هناك مكان للنقد مع كل التحولات الثقافية وغير الثقافية، في كل فترة من فترات التاريخ، وفي كل مجتمع من المجتمعات، بما في ذلك التحولات الحالية التي تصفها بعصر ثقافة مواقع التواصل. وقد أشرتُ من قبل إلى أن النقد الأدبي ليس واحداً، ومن ثم تعريفه ليس موحّداً. وأي تصفح، ولو كان سريعاً، لحركة الاتجاهات النقدية، في أي مرحلة من مراحل التاريخ الأدبي، يكشف عن وجهات متنوعة ومتباينة جداً، من ممارسات النقد، فهناك النقد الشارح، والنقد الموازي للنص، والنقد المبدع، و«النقد الجسر» بين النص وعموم القراء.. إلخ».

ويضيف حمودة «هناك طبعاً التعليقات النقدية السريعة على بعض الأعمال الأدبية والإبداعية. ومع هذا التنوع كله، هناك مجالات متعددة لنشر الكتابات والتعليقات النقدية، وقد اتسعت هذه المجالات جداً خلال العقدين الأخيرين، مع تزايد إمكانات النشر عبر وسائط الاتصال الحديثة، التي جاوزت الجرائد اليومية والمجلات الدورية الورقية، ومنحت الجميع حريّات كبيرة للنشر، وطبعاً اختصرت الأزمنة والأماكن. وبجانب هذا التنوع الكبير في وجهات النقد وطرائق وكيفيات توصيله. وتأسيساً على هذا، فمواقع التواصل أتاحت إمكانات جديدة للنقد، ووسعت من دوائر إنتاجه، وتلقّيه، وإن كان النتاج النقدي الذي ينشر من خلال هذه الوسائط بحاجة إلى نوع من الغربلة للتمييز بين المستويات المتعددة».

واستدرك حمودة بأن ظاهرة الكتابة النقدية على السوشيال ميديا، تؤثر سلباً في مفهوم النقد في جزء منها «بحكم أن ما يكتب في عدد من هذه المواقع يأتي بشكل سريع، وبصورة من صور الانطباعات العابرة، أو يخضع لشكل من أشكال التحايل والمجاملات».

وأوضح رئيس تحرير مجلة «فصول» النقدية، أن «أغلب هذه المواقع خفيفة.. لكنك تستطيع أن تجد من بينها مواقع جادة، وإن كان عددها محدوداً.. وعلى كل حال، فهناك جوانب إيجابية بوجه عام، في حضور النقد، أو حتى في المحاولات. وهي، أي المواقع الحديثة، في النهاية وسيلة للتعبير المتنوع عن آراء في الإبداع، ولعل منها ما يستحق الاهتمام، وبعضها يستحق أن يبقى؛ فالمشاركون بالكتابات متنوعون، وبعضهم يمتلك خبرات نقدية ما، أو على الأقل يمتلك ذائقة سليمة».

نشاط إنساني

من جانبه، قال الدكتور سيد ضيف الله، أستاذ النقد بالمعهد العالي للنقد الفني بأكاديمية الفنون «أعتقد أن دائماً هناك مكان للنقد الأدبي مهما تغيرت وسائل التواصل، لأن النقد نشاط إنساني ضروري للحياة الإنسانية، فما دام هناك أدب فثمة نقد، وما دامت الرغبة في تحسين الحياة مستمرة؛ لابد أن يكون هناك أدب لهذا الشكل الذي نصبو إليه».

وأوضح «ضيف الله»، أما في ما يخص تقليل مساحة النقد الأدبي في وسائل التواصل، فهي نقطة جديرة بالاعتبار «نحن نعيش في عصر التفاهة وأن هناك حالة من السيولة وغياب المعايير التي اعتدنا عليها للتمييز بين الجيد والثمين، بجانب حالة من الانفلات في ما يخص سلطة الناقد، أو الفيلسوف في المجتمع، بشكل عام، غياب صورة المثقف صاحب الرؤية الواضحة للعالم، إلى أن أصبح شكل المثقف هو الإعلامي المؤثر في الناس بغض النظر عن معرفته الفكرية ومستواه الثقافي».

ونتيجة لذلك يرى ضيف الله أننا «انتقلنا من العمق إلى السطح، ومن المعرفة إلى التفاهة والقدرة على التأثير في عدد أكبر من الجماهير، لكن للنقد الأدبي أشكاله المختلفة، منه النقد الأكاديمي الذي نفترض فيه أن يكون في مستوى من الجدية والعمق، وإثارة الأسئلة الجديدة، والدراسة المتأنية للنصوص والخلفيات الفكرية والاجتماعية التي تقف وراء النصوص، وهناك دائماً النقد الصحفي المنتشر في الصحف، سواء في أعمدة، أو في صفحات كاملة، والذي كان له أسلوبه المميز بالتواصل مع عدد أكبر من القراء، وتتباين الأقلام في القدرة على المزج بين المعرفة العميقة والأسلوب الصحفي الذي يناسب قراء الصحف، ودوماً كان ينظر إلى النقد الصحفي بوصفه النقد الخفيف الغائبة عنه المعرفة والمنهجية في النقد، وفي الحقيقة ليس هذا صحيحاً طوال الوقت؛ فثمة تفاوت في الكتابات، وهناك أكاديميون استطاعوا أن ينتقلوا إلى الصحف ويحافظوا على مستوى معقول من المعرفة المنهجية في تناول النصوص الأدبية». اﻷمر ذاته ينطبق على مواقع التواصل في نظر ضيف الله و«التي تغلب عليها المعالجات السريعة للنصوص والتي تفتقر أحياناً إلى القدرة على قراءة نص، بل هناك كتابات لبعض الناس يمارسون النقد وهم لم يقرأوا النصوص نفسها، ويكتفون بمجرد قراءة الصفحات الأولى، وبعض الكلمات على الغلاف، وليست الجودة الأدبية هي المعيار الوحيد لتقييم الأعمال الأدبية على المواقع التواصل الاجتماعي».

أسلوب

في السياق ذاته، قال الدكتور محمد زيدان، أستاذ النقد في كلية الآداب بجامعة الزقازيق «لم يعد النقد الأدبي مجرد علم يتوجه من يمارسه إلى المثقفين، وإلى الأعمال الأدبية، بل أصبح أسلوباً ثقافياً يمكن أن يتسرب إلى الحياة اليومية، وبخاصة في ظل وسائل الاتصال المتغيرة، ولكنها (أي أدوات النقد)، سوف تظل حبيسة فئات معينة من المتعاملين بأدوات التواصل، لعدة أسباب: أولاً: إنها تُمارس بشكل غير منهجي، وعلى أساس الميول الشخصية غالباً.

ويستكمل زيدان ثانياً: إنها قادرة على استيعاب مفاهيم جديدة غير المفاهيم الأدبية، مثل الفنون، وأدوات ثقافة الحياة، مثل: الأزياء، والطعام والشراب، وأدوات التعامل مع الآخرين، والمعنى أن النقد سوف يتّسع ليصبح أداة اتصال بين الناس بعضهم بعضاً، ولكن ليس على سبيل أنه نقد أدبي، أو نقد منهجي، ولكن على سبيل أن أي فن -حتى الأدب- منتزع بشكل أو بآخر من الواقع.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/mr2wpme3

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"