اليمين.. و«بريكست ألمانيا»

00:15 صباحا
قراءة دقيقتين

علي قباجة

يبدو أن ألمانيا باتت على مفترق طرق وكأنها تسير على الخُطى ذاتها التي سبقتها إليها بريطانيا في ظل انقسام الشارع فيها بين داعٍ إلى الطلاق مع الاتحاد الأوروبي، واتباع سياسات «استقلالية» بعيداً عن الارتهان للتكتل الذي بات يُنظر إليه على أنه يكبل السياسات الداخلية، ويضعف دور الدولة وقوانينها ودستورها، وبين رافض لهذا التوجه الذي يقوده «اليمين المتطرف»، ما يشي بانقسام واضح في المجتمع بين هذا وذاك.

حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف، الذي ارتفعت شعبيته وفق استطلاعات الرأي إلى المركز الثاني بعد حزب «المحافظين»، وقبل الحزب «الديمقراطي الاشتراكي» الذي يتزعمه المستشار أولاف شولتس، يدعو لإجراء استفتاء على خروج ألمانيا من الاتحاد الأوروبي إذا وصل إلى السلطة، مؤكداً أنه إذا لم يكن الإصلاح ممكناً، وفشلت برلين في إعادة بناء سيادة الدولة، فيجب أن يُترك القرار للشعب، مستشهداً بما فعلته بريطانيا التي قاد الاستفتاء فيها إلى الخروج، معتبراً أن «بريكست» هو «نموذج لألمانيا».

لكن في المقابل، فإن الأحزاب الأخرى ترفض التحالف مع هذا الحزب الرافض للتكتل والهجرة، خصوصاً في ظل تبنيها نهجاً آخر، يقوم على تعزيز الاتحاد وحضورها فيه، وانعكس رفضها في حركات داخلية وتظاهرات في كل أنحاء ألمانيا لما لا يقل عن 250 ألف شخص، خرجوا منددين صراحة بحزب «البديل»، خصوصاً بعدما ناقش عدد من أعضائه في الآونة الأخيرة الطرد الجماعي لأشخاص من أصول أجنبية.

ومع وجود قاعدة جماهيرية لا بأس بها من دعاة الخروج من الاتحاد الأوروبي، فإن الساسة المناهضين لهذا التوجّه يواجهون معضلة كبرى في تقليص حجم تأثيرهم؛ إذ استطاع دعاة الخروج إقناع جزء من المجتمع بصوابية طرحهم، حول تحرير بلادهم من عقد الماضي، وبناء دولة تنظر لمصالحها ومواطنيها في المقام الأول.

ربما لا يحالف الحظ أعضاء اليمين المتطرف راهناً في تنفيذ رؤاهم على الأرض، لكنهم في الوقت ذاته لن يملوا من «نضالهم» في سبيل أفكارهم التي تجد لها مريدين، وربما بلحظة تاريخية فارقة مستقبلاً تكون كلمتهم هي العليا، ويحققون طموحهم بالخروج، ليكتبوا نهاية حقيقية للتكتل القاري، خصوصاً أن ألمانيا تشكل دعامة أساسية لهذا الاتحاد، وبغيابها فإنه يفقد تماسكه على نحو كبير تمهيداً لانهياره.

اليمين المتطرف أصبح معضلة أوروبا كلها، وليس ألمانيا فقط، فهو في صعود مستمر، وقد يقلب الطاولة بأي لحظة في تغيير جذري تكون فيه أوروبا في وضع جديد، هو أقرب للتشرذم منه للوحدة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/mu89hzs9

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"