عادي
جماليات إماراتية

علي الحمادي.... سفير الخط العربي

20:56 مساء
قراءة 5 دقائق
زخرفة هندسية من أعمال الحمادي
الباقيات الصالحات من أعمال علي الحمادي
لوحة زخرفية من أعمال علي الحمادي

الشارقة: علاء الدين محمود
قدم الخطاط والفنان الإماراتي علي الحمادي الكثير من الأشكال الجمالية في مجالات الخط العربي والتذهيب والزخرفة وأنماطاً متنوعة من الفنون الإسلامية، حتى أصبح واحداً من أبرز الخطاطين، ليس على مستوى الإمارات فقط، بل وعلى مستوى العالم العربي والإسلامي، فمسيرته مع الفن الجميل تؤكد على تجربة خاصة ومختلفة، وتحمل لوحاته الكثير من المضامين الجمالية والروحية.

نشأ الحمادي في إمارة الشارقة، وبرزت موهبته في الرسم منذ الطفولة، فكانت بدايته مع رسم الأشكال التي يراها أمامه، والأشياء من حوله، إذ تعتبر فترة الطفولة والدراسة الابتدائية والإعدادية في الإمارة الباسمة، بمثابة المرحلة التي شهدت تكوينه الجمالي، وكانت الحروف والكلمات مثار إعجابه وحبه وولهه، يقول الحمادي: «كانت البداية بالرسم، وكنت أفجر طاقاتي في رسم الصور والأشياء التي أجدها في كتب الواجبات المدرسية، وصحيفة الحائط، والخرائط، إذ بدأ عشقي يزداد للأشكال الهندسية بصورة خاصة، والألوان المختلفة».

*كنز

وظل الحمادي يقلد رسم الصور والأشكال إلى أن قادته الصدفة إلى المكتبة العامة في الشارقة، وهناك وجد كنزه الخفي، وكأن صوتاً يصدر من عالم سحري قد ناداه إلى ذاك المكان، حيث وقعت عيناه على كتاب «الخط الكوفي»، للخطاط حسن قاسم حبش، فأخذ يقلب صفحاته، وهو في دهشة مما وجد فيه من عوالم باذخة الجمال؛ حروف وأشكال خطية في غاية الروعة، ففتن بها، وصار يقلد تلك الأشكال، حيث كانت بدايته مع الخط مع ذلك الكتاب، وما فيه من إبداعات خطية على نسق «الخط الكوفي»، إذ إن ما يميز هذا النوع من الخطوط هو أنه مبني على الأشكال الهندسية، يقول الحمادي: «بدأت رحلتي الإبداعية مع «الخط الكوفي الفاطمي»، الذي تعلمته بشكل شخصي، عندما بدأت أقرأ عنه بكثرة، وكانت عملية الاطلاع نفسها هي تدشين لمسيرتي مع الخط».

علي الحمادي

ويؤكد الحمادي على أنه ظل يتعلم ويقلد بالطريقة التي تعتمد على الجهد الذاتي والعصامية، مُردفاً: «كانت هناك الكثير من الصعوبات التي واجهتها في بداياتي مع الخط، خاصة عدم وجود أساتذة أو وسائل لتعلم ذلك الفن، فكان طريقي الوحيد هو الاجتهاد الذاتي، كما كانت هناك صعوبة أيضاً على مستوى الأدوات المتمثلة في قصب الخط والحبر والورق المصقول، وغير ذلك»، مشيراً إلى أنه استمر على ذلك النحو إلى أن اكتشف أن هناك مركزاً لتعليم الخط العربي في الشارقة، وكان ذلك الأمر مبعث سرور وسعادة بالنسبة له، فانتسب إلى ذلك المركز، الذي كان بمثابة محطة رئيسية في حياته ومسيرته الفنية، فهو يقول عن تلك المرحلة: «في ذلك المركز بدأت أتعرف بشكل صحيح الى الخط، ثم بدأت دراسة (الرقعة)، على يد المعلم محمد فاروق حداد، ثم (الديواني الجلي)، ثم (النسخ) و(الثلث)، وغير ذلك من الخطوط الأخرى، فصُقلت موهبتي هناك وتم تزويدي بمعارف المجال».

*متحف

ويلفت الحمادي إلى أنه تعلم كذلك على يد الخطاط والفنان العراقي مصعب الدوري فن التذهيب والزخارف المختلفة، ثم انتقل إلى مرحلة اقتناء أدوات الخط القديمة في الدولة العثمانية وما قبلها، حتى صار لديه متحف شخصي عامر بالأدوات والمخطوطات النادرة، والكثير من الأشياء المتعلقة بفن الخط، وصار يقوم بعرض هذه التحف في المؤسسات الثقافية المختلفة، ويقول الحمادي عن متحفه: «الخط العربي لا ينحصر في كونه كتابة أو فناً فقط، بل هو أيضاً تاريخ تركه الرواد الأوائل من الخطاطين، وأدوات ومقتنيات، ولذلك قررت العمل على جمع تراث الخطاطين الأوائل من مصاحف نادرة ومخطوطات، حيث يحتوي متحفي الشخصي الآن على قرابة خمسين مصحفاً نادراً ومخطوطة ومُرقّعاً يعود معظمها إلى الحقبة العثمانية، إضافة إلى مئات القطع من أدوات الخط والأقلام والورق».

شارك الحمادي في الكثير من المعارض والأنشطة المتنوعة، بلغت قرابة ال400 معرض ومحاضرة وفعاليات أخرى، ولعل أشهر تلك المشاركات كانت من خلال «ملتقى الشارقة للخط»، و«مهرجان الشارقة للفنون الإسلامية»، ومعرض «مداد الوطن»، و«ملتقى دبي للخط العربي»، والعديد من الفعاليات والأنشطة الخطية والفنية، ويشير الحمادي إلى أنه حصل خلال تلك المشاركات المختلفة على العديد من الجوائز التقديرية والتشجيعية وصلت إلى 70 جائزة، كما كانت له مبادرات بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم، من أجل تعليم الصغار وكبار السن وأصحاب الهمم فن الخط.

*أصالة

يشير الحمادي إلى أنه قد اشتهر بالخط الكوفي الفاطمي، وكذلك بالديواني الجلي، وظل الخط الكوفي هو القريب إلى قلبه وروحه، لأنه الشكل الذي بدأ به مسيرته الفنية، ويؤكد الحمادي أنه على مستوى الأسلوب يحافظ على أصالة الخط، فهذا الفن له قواعد وأصول ضاربة في القدم، وللحرف حسابات صارمة، وقد حرص على المحافظة على تلك القوانين بدون إضافة، في الوقت الذي عمل فيه الكثيرون على التجديد والتحديث فيه، ويرى الحمادي أن التجديد لا يشوه الحرف، لأنه محاولة لتطويره، إلا أن لديه موقفاً مختلفاً من تلك العملية، والتي أثارت الكثير من الجدل، وأصبحت هنالك تيارات ومواقف متباينة منها، ويقول الحمادي مدافعاً وموضحاً موقفه: «ليس هنالك حاجة لهذا التجديد، حيث إن الخط قد عبر فعلياً مراحل من التطور والنضج، فهو قد وصل إلينا بهذا الجمال الذي يحمله، وبالتالي فإن التحديثات تحُد من جماليته».

تأثر الحمادي، بالعديد من الخطاطين الذين برزوا في هذا الإبداع العربي من الأقدمين والذين ظهروا في العصر الحديث، حيث إن لوحاتهم وإبداعاتهم قد أثرت وجدانه وذائقته الفنية، ومن هؤلاء هناك العراقي حسن قاتم حبش، الذي كانت له العديد من الأعمال البديعة واللافتة إضافة إلى مؤلفاته التي تعلم منها الكثيرون ومنهم الحمادي نفسه، وهنالك أيضاً الخطاط جمال الكباسي، ومحمد فاروق حداد، ومنير الشعراني، وغيرهم من فنانين كان لهم الأثر الكبير في تجربة الحمادي في مختلف الخطوط، حيث حملت لوحاته مواضيع وأفكاراً متعددة ومتنوعة، وعبرت عن عوالم روحية وجمالية.

*لقب

لعل من أبرز المنعطفات في تجربة الحمادي الفنية، حصوله على لقب «سفير الخط العربي»، وكان ذلك في الجزائر عام 2020، حيث تم تكريمه على يد الرئيس الجزائري حينها عبد العزيز بو تفليقة، يقول الحمادي: «كان اللقب والتكريم بمثابة تحفيز كبير لي ودافع لمواصلة المشوار في عالم الخط العربي محلياً ودولياً، حيث صرت معروفاً على المستوى العربي»، كما يشير الحمادي إلى أن نيله لوسام الفنانين التشكيليين من مصر، يعتبر كذلك من المحطات المهمة في تجربته.

إضاءة

ولد الخطاط علي عبد الله الحمادي، في الشارقة عام 1976، ودرس في مركز الشارقة للخط، وتخصص في الخط الكوفي، والزخرفة الإسلامية، والتذهيب، وفنون تقهير الورق، وهو عضو في جمعية الإمارات للفنون التشكيلية، وشارك في العديد من المهرجانات والمعارض الخطية والفنية داخلياً وخارجياً، وحصد الكثير من الجوائز، ويعمل في مجال الصحافة وتحرير الأخبار.

من أعمال علي الحمادي
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3fna77f6

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"