عادي
الذكاء الاجتماعي

أفشوا السلام

23:50 مساء
قراءة 3 دقائق
1
سالم بن ارحمه الشويهي

د. سالم بن ارحمه
إفشاء السلام من شعائر الإسلام العظيمة، وهو من أوائل ما دعا إليه النبي، صلى الله عليه وسلم، ووجّه إليه الناس عندما قدم إلى المدينة، فعن عبد الله بن سلام، رضي الله عنه قال: «لما قدم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، المدينة كان أول شيء سمعته تكلم به أن قال: «يا أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصِلُوا الأرحام، وصَلُّوا والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام».

قوله: «أفشوا» من الإفشاء، وهو الإشاعة والإكثار، أي: أظهروه، والمراد نشر السلام بين الأنام، وفيه الحث العظيم على إفشاء السلام، وبذله للمسلمين كُلهم، من تعرفه ومن لم تعرفه.

وقدّم، صلى الله عليه وسلم، إفشاء السلام على إطعام الطعام والصلاة بالليل والناس نيام، تأكيداً لمكانة السلام، وأهميته في أمان الفرد والمجتمع، ولأن في إفشاء السلام علو المسلمين، وهو سبب لرفعة الدرجات لفاعله.

كما قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «أفشوا السلام؛ كي تعلوا»

أي: يرتفع شأنكم؛ فإنكم إذا أفشيتموه تحاببتم فاجتمعت كلمتكم، فقهرتم عدوكم وعلوتم عليه. كما أن في إفشاء السلام علاجاً لأمراض المجتمع؛ فهو يبدأ من إحلال ثقافة السلم والرحمة محل العنف والشدة، فإشاعة السلام كفيلة بطرد المشاعر السلبية من النفوس وتحويلها إلى مشاعر إيجابية تبعث على البناء بدل الهدم، وعلى الجمع بدل التفريق، وإيقاد شموع الأمل بدل إضرام النار في الأخضر واليابس. وهذا عين ما يدل عليه الحديث النبوي، الذي تكررت فيه هذه العبارة: «أفشوا السلام»، دون غيرها مثل «إلقاء السلام»؛ فإنه لا يكفي أن تلقي السلام فحسب، بل لا بد أن تفشيه، والإفشاء أكثر وأبلغ من إلقاء السلام فقط، فالإلقاء قد يكون مرة أو مرتين ثم تتركه، لكن إفشاء السلام يدل على الكثرة حتى يصير سمة من سمات المسلمين، ويكون علامة على أن هذا المجتمع مجتمع إسلامي، وليحصل الأجر الكثير بذلك، ثم تكون من وراء ذلك البركة العظيمة من الله عز وجل. ولذا كان من السنة إعادة السلام إذا افترق الشخصان ثم تقابلا، بدخول أو خروج، أو حال ينهما حائل ثم تقابلا، ويدل عليه قول النبي، صلى الله عليه وسلم: «إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه، فإن حالت بينهما شجرة، أو جدار، أو حجر، ثم لقيه، فليسلم عليه أيضاً». ورغّب الرسول في تكرار السلام كلما تكرر اللقاء، وعدم الملل من ذلك، فإنه مضاعفة للأجور وتقوية لروابط الأخوة الإيمانية.

كما شرع السلام في بداية المجلس وعند مفارقته؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم، فإذا أراد أن يقوم فليسلم؛ فليست الأولى بأحق من الآخرة».

وقد نهى النبي عن الكلام قبل السلام فقال: «من بدأكم بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه». وفي ذلك تعليم وتأديب من النبي، صلى الله عليه وسلم، للمؤمنين بأن يبدؤوا بالسلام عند اللقاء قبل أي قول أو فعل، وأن يدعو بعضهم لبعض ويحييه بهذه التحية المباركة الطيبة، ليحصلوا من وراء ذلك على البركة في كلامهم وفعلهم، ومعاملاتهم وعقودهم. وكما في الحديث: «كل أمر ذي بال لا يُبدأ فيه بذكر الله فهو أقطع». و«أقطع» أي: ناقص غير تام؛ لأنه لم يمتثل فيه أمر الله جل وعلا، فيكون منزوع البركة، ممحوقاً فيما يراد به، فالله أمر العباد أن يستعينوا باسمه تعبداً له في كل شيء، ورتب على ذلك عظيم الأجر والثواب.

وإن رافق السلام المصافحة غفر الله بها الذنوب والخطايا لقوله عليه الصلاة والسلام: «ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يفترقا». وفي رواية «تناثرت خطاياهما كما يتناثر ورق الشجر».

وقال الحسن البصريّ: «المصافحة تزيد في الودّ»، فكم من إنسان يغفل عن هذه المفاهيم العظيمة للسلام!

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3teb5jzp

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"