أطفال غزة.. جيل تحت الصدمة

00:18 صباحا
قراءة دقيقتين
2

ليست المرة الأولى التي تحذّر فيها منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) من تداعيات الحرب الإسرائيلية على صحة الأطفال في غزة، الذين دفعوا ثمناً باهظاً من لياقتهم الجسدية ونموهم الطبيعي وصحتهم النفسية، ومثلما قُتل عشرات الآلاف منهم خلال الأشهر الستة من الحرب، جاء عشرات الآلاف الآخرون إلى هذه الدنيا وسط الأنقاض وتحت القصف والغارات، وفي ظروف لا تليق بالآدميين.

الوضع المأساوي، الذي يعيشه الأطفال الفلسطينيون في غزة، تعجز الكلمات عن وصفه، كما اعترف أكثر من مسؤول دولي. فقد قتلت هذه الحرب الملعونة أكثر من 13 ألف طفل وأصابت أضعافهم بإصابات جسدية، أما الإيذاء النفسي فقد لحق بعدد لا يُحصى من الأيتام ممن فقدوا والديهم وذويهم، وأصبح مئات الألوف منهم عالقين في الصراع والصدمات المتتالية والمتواصلة، دون أن يوجد أمامهم أي مكان آمن يمكنهم أن يلجأوا إليه، كما وصفت ذلك «اليونيسيف»، بينما تنبه المنظمات الدولية إلى أن الجوع أصبح قاتلاً فتاكاً للأطفال، لا سيما في شمال قطاع غزة، حيث يموت كثيرون بسبب مضاعفات مرتبطة بالتجويع، الذي باتت إسرائيل تستخدمه سلاحاً معلناً ضد الأبرياء، وخصوصاً الأمهات الحوامل والمرضعات، ممن يتهددهم سوء التغذية الحاد والجفاف، ويعانون نقص الأدوية والطواقم الطبية وعدم توفر المستشفيات لتلقي العلاج.

فمن أهم عناوين حرب الإبادة الإسرائيلية تدمير كل عوامل المساعدة على الحياة، وأولها المستشفيات والمرافق الصحية الموازية، فضلاً عن كل ما يوفر الماء والطعام. ولا يتورع المسؤولون الإسرائيليون عن الاعتراف بما تقترفه قواتهم، وهم يأمرون بهذه الأفعال الشائنة وينفذونها، ضمن عقاب جماعي ضد السكان المدنيين يشكّل، دون لف أو تشكيك، جريمة حرب مكتملة الأركان.

في يناير الماضي، أمرت محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير مؤقتة تشمل مطالبة إسرائيل «باتخاذ تدابير فورية وفعالة لتمكين توفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها»، وها قد مرّ نحو ثلاثة أشهر ولم تستجب إسرائيل، بل تمادت في جريمتها وتطاولت على كل شيء، وأصدر مجلس الأمن قرارين في هذا الشأن، وكان مصيرهما مثل عشرات القرارات التي أصدرها منذ عام 1947 من القرن الماضي، ليستمر بذلك قتل المدنيين بأقذر وسائل الحرب، ولا بارقة تلوح في الأفق تشير إلى انتهاء هذه الإبادة الشاملة.

كل هذا التعنت الإسرائيلي لا يعفي المجتمع الدولي من مسؤوليته، وهو ملزم بموجب القوانين والمواثيق بالعمل على حماية المدنيين، وخصوصاً النساء والأطفال وكبار السن، فهذه الشرائح تستثنيها «أخلاق الحرب» من الاستهداف، كما ورد في الشرائع السماوية والدنيوية وأكدتها اتفاقيات جنيف الأربع.

ولكن لأن الجيش الإسرائيلي لا يلتزم بأخلاق الحرب ولا يعترف بالمعاهدات الدولية كافة، فقد أوغل في إيذاء أطفال غزة، وارتكب بحقهم فظائع وانتهاكات لن تسقط من ذاكرة هذا الجيل والأجيال اللاحقة، بل إنه بجريمته أحدث جرحاً عميقاً في الوعي المعاصر لن يندمل بسهولة، ولا يمكن نسيانه، خصوصاً إذا أفلت المجرمون من المحاسبة والعقاب، كما أفلت أسلافهم منذ نكبة فلسطين وحتى قبل اندلاع الحرب المستمرة على غزة في أكتوبر الماضي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yse347bj

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"