كمال بالهادي
من بلفور إلى ترامب، مرّ أكثر من قرن من الزمان، حيث تتكالب القوى الغربية الآنجلوسكسونية بهدف قلب رحى الصهيونية العالمية على فلسطين المحتلّة، وبين الوعدين تم دوس حقوق فلسطينية وعربية، وعم الخراب أرجاء الوطن العربي، وعادت العرب قبائل متناحرة ومشايخ متقاتلة، والخطر هو ما يمكن تحقيقه عبر مشاريع تحقق ما يمكن أن يطلق عليه «إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات».
المترشح لرئاسة الولايات المتحدة دونالد ترامب، صاحب صفقة القرن التي نرى مفاعيلها الآن في قطاع غزة وفي المنطقة، أعلن وعده بتوسيع مساحة دولة إسرائيل خلال حملته الانتخابية للرئاسة، المقرر أن تجرى في شهر نوفمبر/تشرين الثاني، المقبل، وهو، بالمناسبة، ليس مجرد وعد انتخابي، بل استكمال لما تم الإعلان عنه في صفقة القرن والتي جاء في أحد بنودها ترسيم حدود جغرافية جديدة بعد نزع سلاح الدولة الفلسطينية، وهو ما يتحقق الآن.
وعليه، فإن عودة دونالد ترامب إلى الحكم مرة ثانية، في حال فوزه في الانتخابات الرئاسية المقبلة، ستكون تنفيذاً للجزء الثاني من صفقة القرن، أي المضي في توسيع حدود إسرائيل بعد أن يتم القضاء على المقاومة الفلسطينية في غزة والضفة، بحسب ما هو مخطط له.
عندما تم الإعلان عن صفقة القرن في عام 2020، تعددت الرؤى والقراءات، لكنها اجتمعت تقريباً تحت عنوان واحد وهو «من بلفور إلى ترامب»، ومازال الأمر كذلك إلى يومنا هذا، وقد أعاد ترامب التذكير خلال حملته الانتخابية الحالية بأنه ماضٍ في تطبيق وعده برسم حدود جغرافية جديدة لدولة إسرائيل، وهذا التعهد يذكرنا بوعوده السابقة بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لدولة إسرائيل، وكذلك نزع سلاح دولة فلسطين، وهو يعني ضمن ما يعني نزع سلاح المقاومة، الذي يجري تنفيذه الآن بوتيرة متصاعدة.
لكن بعدما قال ترامب خلال مؤتمر صحفي: «سأقدم لإسرائيل الدعم الذي تحتاج إليه للانتصار، لكنني أريدهم أن ينتصروا بسرعة»، مضيفاً أن «مساحة إسرائيل تبدو صغيرة على الخريطة، ولطالما فكّرت في كيفية توسيعها»، فإن الأمر يتخذ منحى جدياً وخطِراً لأنه يعيد إلى الأذهان وعد بلفور المشؤوم الذي منح وطناً عربياً لشتات يهود العالم، حينما كان العرب في حالة وهن وضعف شبيهة بما هو عليه اليوم.
وإذا كانت الحركة الصهيونية، قد انتظرت ثلاثة عقود كاملة ليتحقق وعد بلفور فتأسس الكيان الصهيوني (14 مايو 1948) على الأراضي الفلسطينية بعد أقل من ثلاث سنوات على نهاية الحرب العالمية الثانية، وبين إصدار الوعد البريطاني وتنفيذه، إذاً، 30 سنة ونصف، وهي المدة الزمنية التي تطلبها الوفاء بالوعد الذي قطعه وزير خارجية حكومة جورج الخامس، ملك بريطانيا آنذاك، لليهود الصهاينة، فإن وعد ترامب قد تحقق في جزئه الأول خلال أشهر فقط من توليه الرئاسة، وهذا ما يشكل خطراً حقيقياً، لأن ترامب يمتلك القدرة على تنفيذ وعوده.
يقول أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأردنية، أمين المشاقبة، في تصريح ل«إرم نيوز»: إن «حديث ترامب لا يأتي كدعاية انتخابية لاستمالة الأصوات المتأرجحة في الانتخابات الأمريكية المقبلة فقط، بل هو حديث منساق مع مشروع شرق أوسط جديد، ويرتبط بالرواية التوراتية التي ترى أن مساحة إسرائيل تمتد من النهر إلى النيل».
وأضاف المشاقبة: «بالتأكيد هدف ترامب من هذا الحديث هو استمالة أصوات اليهود في سبع ولايات عادة ما تكون هي الحاسمة في المشهد الانتخابي الأمريكي، وهو يريد المزايدة على موقف الديمقراطيين، خاصة أن هناك انقساماً في الموقف اليهودي بين كلا الحزبين»، فيما يقول الكاتب والمحلل السياسي الخبير بالشؤون الفلسطينية، حمادة فراعنة، إن «تصريحات ترامب ليست جديدة، فهي تعكس مواقفه التقليدية ومواقف الحزب الجمهوري الذي يدعم المستعمرة الصهيونية وبرامجها الاحتلالية التوسعية، وهي تعبير واضح عن موقف اليمين الأمريكي الأكثر دعماً وانحيازاً لإسرائيل».
وأضاف فراعنة أن «حديث ترامب يتسق مع مواقف شريحتين في المجتمع الإسرائيلي، وهما الطائفة الإنجيلية، وهم من المسيحيين الصهيونيين الجدد، وثانياً ما يمثله الجناح اليميني في الطائفة اليهودية، والمعبر عنها باسم جمعية ال«إيباك» اليهودية الأمريكية، وترامب شخصياً وقاعدته الانتخابية يتمتعون بهذا التصنيف، ويُعتبرون من الداعمين له».
إن حديث ترامب ليس بالجديد عندما يتحدث عن توسع إسرائيل، وهو يتبنى مشروع «إسرائيل الكبرى»، هذا المشروع الذي يقوم عليه اليمين المتطرف في الحركة الصهيونية العالمية، وأضاف السعايدة أن «هذا المشروع ليس سراً، ولم يُكشف النقاب عنه الآن، وترامب يذكر به في خضم التحولات الكبيرة التي يمر بها الإقليم وتداعياتها المستقبلية، والتي ستؤدي إلى شرق أوسط مختلف».
وترامب، وإن تحدث عنه الآن بهدف كسب أصوات اليهود ودعم الصهيونية في الانتخابات الرئاسية المقبلة، فهو عملياً أكثر رئيس أمريكي يمكن أن ينخرط مع إسرائيل في تنفيذه جزئياً أو كلياً، وربما في المرحلة الأولى يقتصر الأمر على ضم الضفة الغربية، أو ما يسميه اليهود «يهودا والسامرة»، وربما قطاع غزة إن تم تهجير أغلبية سكانه، كما يحلم به ويدعو إليه أكثر قادة إسرائيل تطرفاً.
وهذه المرحلة الجزئية تؤثر في الأردن عبر مشروع الوطن البديل، ومصر بوصفها الجغرافيا التي تستوعب سكان القطاع، وهذا هو الذي يؤسس لما يسمى ب«إسرائيل الكبرى».