كثر الحديث مؤخراً في الأوساط السياسية الإسرائيلية، عمّا سمي بخطة الجنرالات في قطاع غزة، لكن أحداً لم يكشف النقاب عن حقيقة هذه الخطة والمرامي والأهداف الحقيقية من ورائها، وبدا الأمر وكأنها خطة عسكرية بحتة، تهدف إلى تحقيق حسم عسكري للمعركة الدائرة في القطاع بين قوات الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية بكل أطيافها وفصائلها، فالخطة هذه، كما هو معلن، وضعت بمبادرة من رئيس شعبة العمليات الأسبق الجنرال احتياط غيورا آيلاند الذي يوصف في إسرائيل بأنه مُنظّر الحرب على غزة، ويؤيدها عشرات الضباط في جيش الاحتلال الإسرائيلي.
لكنه ورغم تأييد الكثير من الضباط الإسرائيليين للخطة المذكورة، إلا أنها تلاقي في الوقت ذاته معارضة من بعض المسؤولين الأمنيين السابقين، باعتبار أنها تعني تورط جيش الاحتلال الإسرائيلي في حملة عسكرية مفتوحة المدة، تتطلب وجوداً دائماً للقوات، بدلاً من النهج المفضل بالنسبة لهم، والذي يعتمد على اتخاذ إجراءات حاسمة وسريعة، كما تفضل إسرائيل منذ نشأتها.
وتهدف خطة آيلاند «خطة الجنرالات»، كما هو معلن، إلى إخلاء شمال قطاع غزة من المدنيين بسرعة، قبل تجويع مقاتلي المقاومة الباقين على قيد الحياة، من خلال قطع إمدادات المياه والغذاء عنهم، لكن الدوافع الحقيقية لهذه الخطة الخبيثة أبعد بكثير مما هو معلن، إذ إنها العنوان المعدل للتطهير العرقي الذي تسعى إسرائيل إلى القيام به في قطاع غزة، ولا سيما في شماله، حيث يزعم جيش الاحتلال أنه ينوي فقط إقامة منطقة عازلة بعد الحرب، كإجراء قصير الأمد، لمواجهة المقاومة الفلسطينية في الشمال، لاسيما أن إسرائيل ستواجه حسب واضع «خطة الجنرالات»، شهوراً من القتال، وهو ما يؤكده استمرار القتال في معظم مناطق القطاع، وخصوصاً في الشمال، حيث الهجوم الإسرائيلي الثالث منذ بداية الحرب في أكتوبر/تشرين الأول 2023، والذي أوقع عدداً كبيراً من الشهداء والجرحى في صفوف المدنيين الفلسطينيين، في ظل انقطاع المساعدات، وتفاقم الأزمات الإنسانية هناك.
وكشف عيدان لاندو، وهو أستاذ جامعي وباحث إسرائيلي، عن تلك الحقيقة المروعة التي تحملها «خطة الجنرالات» وتخفيها إسرائيل عن المجتمع الدولي، مشيراً إلى أن هذه الخطة تضع الأساس للاستيطان اليهودي في قطاع غزة المحاصر، وأن هدف الخطة تفريغ شمال قطاع غزة من سكانه الفلسطينيين، حيث مازال نحو 400 ألف مواطن فلسطيني يعيشون في هذه المنطقة التي تقع شمال محور نتساريم الفاصل بين شمال قطاع غزة والمناطق الأخرى، لاسيما أن جيش الاحتلال الإسرائيلي سيقوم خلال المرحلة الأولى من الخطة، بإبلاغ سكان شمال غزة بإخلاء المنطقة في غضون أسبوع والتوجه نحو الجنوب. وفي المرحلة الثانية، سيعلن الجيش في نهاية الأسبوع أن الشمال بأكمله منطقة عسكرية مغلقة. وسيعتبر كل من يبقى فيها «عدواً مقاتلاً»، ومن ثم، سيُقتل إذا لم يستسلم، كما سيفرض الجيش حصاراً كاملاً على المنطقة، ما سيزيد من وطأة الجوع ويفاقم الأزمة الصحية، ويتسبب في تجويع السكان أو إبادتهم، حسب مقال لاندو.
ومن يمعن النظر ملياً في الأهداف المرسومة لهذه الخطة الخبيثة، يرى بكل وضوح أنها ليست سوى تطهير عرقي، بكل ما في هذه العبارة من معنى، لأن التطهير العرقي كما يعرّفه القانون الدولي هو قيام القوات المحتلة بتغيير التركيبة السكانية لإقليم ما، وترحيل السكان المدنيين في هذا الإقليم، من خلال القيام بأفعال محظورة كالهجمات على المدنيين، وإلحاق الأذى المتعمد بهم، وهو ما دعت إليه «خطة الجنرالات» التي تدعو علناً إلى فرض عقاب جماعي على جميع سكان غزة، والسعي إلى نشر الأمراض كخطوة تُقرب النصر، وتقلل من الأذى الذي يلحق بجنود جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي بات غارقاً في وحل غزة.
ويمكننا القول: إن الخطة الإسرائيلية والعاصفة الإعلامية والدبلوماسية الدولية المكثفة التي أحدثتها، ساعدت على إخفاء حقيقة ما يجري على الأرض، باعتباره تجسيداً حياً لروح التطهير العرقي، بما يعنيه من جريمة حرب فعلية.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنه وبحسب قواعد القانون الدولي، وتحديداً القاعدة (129): «لا يقوم الأطراف في نزاع مسلح دولي بترحيل أو نقل السكان المدنيين قسراً بصورة كلية أو جزئية من أرض محتلة، إلا إذا اقتضى ذلك أمن المدنيين المعنيين، أو لأسباب عسكرية قهرية ولا يأمر الأطراف في نزاع مسلح غير دولي بنزوح السكان المدنيين كلياً أو جزئياً لأسباب تتعلق بالنزاع، إلا إذا اقتضى ذلك أمن المدنيين المعنيين أو لأسباب عسكرية قهرية».
ومما تقدم نرى أن ما تقوم به قوات الاحتلال في شمال قطاع غزة، ما هو إلا جريمة تطهير عرقي، تضاف إلى سلسلة الجرائم التي ترتكبها إسرائيل يومياً، وتنتهك من خلالها القانون الدولي على مرأى ومسمع من العالم أجمع، في ظل الدعم الغربي والأمريكي بشكل خاص لهذه الجرائم، بل والمشاركة الفعلية فيها.
نبيل سالم
https://tinyurl.com/85knstex