محمود حسونة
عاد ترامب سيداً للبيت الأبيض، وصانعاً للأحداث الأهم عالمياً.. عاد أكثر قوةً وصلابةً ليؤكد أنه رجل المفاجآت، القادر على قهر المستحيل، فمن تابع مسيرته خلال السنوات الأربع الماضية يدرك أنه قهر المستحيل وقفز على الكثير من الحواجز الصعبة وكأنه فارس متمرس على الفوز. قليل من الناس تصنعهم التحديات، وكلما واجهوا صعاباً استطاعوا تحويلها إلى فرص للنجاح، ومن يتأمل رحلة حياة ترامب يجده من أوائل الناس الذين صنعتهم التحديات، خاض الكثير من المعارك مع خصوم له ليخرج من كل معركة منتصراً.
كَثُر من حوله القيل والقال لكنه لم يعبأ بما يقال ليواصل تحقيق أهدافه التي كانت جميعها كبيرة، رجل أعمال، رئيس ليس كغيره من الرؤساء حيث خرج من البيت الأبيض في العام 2020 تاركاً وراءه في أمريكا والعالم مدرسة سياسية هي المدرسة الترامبية، واليوم يعود إلى البيت الأبيض بعد تجربة ترسخ مكانة هذه المدرسة، مدرسة منهاجها السياسي لا يعتمد على النظريات الكلاسيكية بل بشكل أساسي على الفطرة، وبفطرته وقناعاته أدار الولايات المتحدة والعالم من 2016 حتى 2020، واليوم يعود ليدير أمريكا ومعها العالم مجدداً.
الاتفاقيات الدولية بالنسبة له صفقات، ليس لها داع إذا لم تتحقق من ورائها أرباح ومكاسب، ليس له حليف استراتيجي ولكن له مصالح استراتيجية يسعى لتحقيقها بأي ثمن، وتتحكم في تكوينه تحالفات ورفضه للتحالفات.. ألّف العديد من الكتب التي تتمحور حول حياته ومجال البيزنس وأسهل الطرق لجني المال، متقلب المزاج يجيد الانقلاب على ذاته وتغيير قناعاته، اختار العمل الحر طوال حياته وعندما قرر السعي إلى وظيفة رسمية كانت وظيفة «الرئيس»، سخر من العمل السياسي ووصفه وهو في منتصف الثلاثينات بالوضاعة وخاض أشرس المعارك ليمارس السياسة.
هو رجل التحديات الصعبة والمعارك الكبرى. عندما قرر الترشح للرئاسة لأول مرة عام 2015 وقف ضده أقطاب حزبه الجمهوري، فقد كان بالنسبة لهم دخيلاً، ورغم ذلك فاز بترشيح الحزب ليخيّب آمال المناهضين له، وخاض الانتخابات الرئاسية ضد هيلاري كلينتون، ليفوز ويخيب توقعات المحللين ويثبت أن نتائج استطلاعات الرأي مجرد وهم.
عندما خسر أمام بايدن الانتخابات قبل الأخيرة، وبعد اقتحام الكابيتول في 6 يناير/ كانون الثاني تخلى عنه المحيطون به وهاجمه مقربون منه وعلى رأسهم نائبه «الوفي» مايك بنس ومستشاره للأمن القومي جون بولتون، وبعد خروجه من البيت الأبيض تم فتح جميع الملفات وتقديمه للمحاكمة في 37 قضية، تنقل بين محاكم ولايات مختلفة، وتم استجوابه على الملأ في بعضها، وتمت إدانته في بعضها، وتمت مساءلته مرتين أمام الكونغرس، ناهيك عن تعرضه لمحاولات اغتيال، ورغم ذلك لم ينكسر ولم يتخل عن قرار «العودة للبيت الأبيض».
إصرار ترامب على تجاوز كل العراقيل وخوض الانتخابات الأخيرة لم يكن الهدف منه فقط العودة للرئاسة، إنما استرداد كرامته والانتقام من أعدائه وتأكيد أنه لا يقبل بالخسارة، وتوعد بهزيمة هاريس والديمقراطيين وإلحاق أكبر هزيمة بهم خلال العشرين سنة الماضية، هزمهم في الانتخابات الرئاسية وفي الكونغرس، وخيّب توقعات المحللين مرة أخرى، وأثبت أن استطلاعات الرأي لا تستحق لا الوقت ولا الجهد.
عاد ترامب أكثر قوة بانتصار غير مسبوق، وحسب وصفه في خطاب الفوز فقد منحه الشعب تفويضاً لتحقيق أهدافه التي لا تتعلق بالداخل الأمريكي فقط بل بينها أهداف تتعلق بالأوضاع العالمية المأزومة، والسبب هو زيادة رقعة الصراعات العالمية والحروب المدمرة، حرب روسية - أوكرانية تورطت فيها أمريكا والغرب وألقت بظلالها على الاقتصاد العالمي، وحرب إسرائيلية غاشمة على غزة تجاوزت ال 13 شهراً من القتل والإبادة والتخريب والتدمير، ثم امتدت إلى الضفة وفتحت جبهة مع لبنان ولا يستبعد توسعها لتحرق الإقليم كله، وأيضاً أمريكا طرف أصيل فيها بالدعم اللامحدود الذي تقدمه لإسرائيل عسكرياً واقتصادياً وسياسياً، والأمل معقود على ترامب في أن يضع نهاية لهاتين الحربين.
نعلم أن ترامب لن يغير ثوابت أمريكا وقناعاته المنحازة إلى إسرائيل التي أهداها في رئاسته الأولى نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بسيادتها على الجولان المحتل، ولكن نعلم أيضاً أن هذه الحرب كبّدت أمريكا مليارات الدولارات وشوهت صورتها عالمياً بل وعند طلاب جامعاتها وشبابها الغاضب من الانخراط الأمريكي فيها، وكي تعود أمريكا «عظيمة» حسب شعار الرئيس المنتخب، لن يتحقق ذلك بإنفاق أموال دافعي الضرائب فيها على مزيد من التدمير لغزة ولبنان وغيرهما، ولعل ترامب يدرك ذلك ولذا تعهد في «خطاب النصر» بوضع حد للحروب في جميع أنحاء العالم والسعي لتحقيق السلام والاستقرار العالميين.. تعهُّد نتمنى أن يتحقق وأن يتوقف نزيف الدماء والخراب العالمي على يدي رجل يجيد الانقلاب وتبديل المواقف وتغيير المفاهيم.
[email protected]
https://tinyurl.com/4xwazcp9