عقد مجلس الأمن الدولي اجتماعه الطارئ حول التصعيد المسلح المفاجئ في سوريا، دون أن يتوصل إلى نتائج باستثناء مواجهة روسية أمريكية حادة تقدم صورة واضحة عن المسار، الذي قد تتجه إليه الأوضاع في ظل استمرار هجمات الجماعات المتطرفة على مناطق تخضع لسيطرة دمشق، واستعدادات الجيش السوري وحلفائه الروس لشن هجوم مضاد.
لم يعد باستطاعة مجلس الأمن، مثلما كان حاله طوال سنوات، إصدار ولو بيان حول سوريا أو غيرها من الأزمات موضع الخلاف بين القوى الكبرى مثل الوضع في أوكرانيا أو العدوان الإسرائيلي على كل من غزة ولبنان. ولا يبدو أن ما يجري في المحافظات السورية، إدلب وحلب وحماة ودير الزور، منفصل أو بعيد عن الصراعات الدائرة. ولعل التوقيت المشبوه الذي تفجرت فيه الأحداث بعد ساعات معدودة من وقف هش لإطلاق النار في لبنان، يشير إلى أطراف كثيرة ساهمت في هذا التصعيد، وتريد أن تصفي حساباتها وتحقق مصالحها على حساب الشعب السوري وسيادته وحقوقه في العيش بسلام على أرضه. وقد يطول الحديث وتختلف وجهات النظر حول الوضع الراهن، لكن الواضح أن حرباً إضافية بالوكالة قد تكون اندلعت، امتداداً للوضع المتفجر في الأراضي الفلسطينية المحتلة وجنوب لبنان. وما يثير القلق أن هذه الجولة المتوقعة من الصراع قد تكون قاسية، وربما تمتد إلى أبعد من الحدود السورية، وقد تثير أزمات دبلوماسية بين أطراف إقليمية ودولية، وتنخرط في الاشتباك الواسع حول إعادة بناء النظام الدولي الذي تآكل وفقد كل قيمه وثوابته المتوارثة منذ عقود.
قبيل الجلسة الساخنة لمجلس الأمن، كانت الاتصالات الهاتفية بين عواصم ذات صلة بالأزمة أكثر سخونة، وأكثرها وضوحاً كانت المحادثة التي تمت بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، وتأكيد بوتين على ضرورة إنهاء العدوان الإرهابي في سوريا والمسارعة إلى ضبط الاستقرار، وبموازاة ذلك أجرت البحرية الروسية مناورات بالذخيرة الحية كانت استعراضاً للقوة بمشاركة أكثر من ألف عسكري و10 سفن و24 مقاتلة جربت صواريخ فرط صوتية، وأطلقت رسالة إلى من يهمه الأمر، مفادها أن موسكو لن تقبل خسارة مصالحها ونفوذها في سوريا، وقد تقاتل دفاعاً عن ذلك بطريقة أشرس من حربها في أوكرانيا. وقد ترافق ذلك مع اتهامات مباشرة وجهتها موسكو إلى أطراف عدة بينها كييف بالتحريض على تحرك الجماعات المتطرفة من إدلب وتسليحها بذخائر متطورة بينها مسيرات معروفة المصدر.
التصعيد المشبوه الجاري منذ نحو أسبوع لن يخدم الشعب السوري ولن يزيده إلا بؤساً وألماً ومزيداً من الضحايا، فضلاً عن أنه يهدد استقرار المنطقة ويستقطب مزيداً من الأطراف التي لا تفكر إلا في مصالحها مهما رفعت من شعارات، واختلقت من ادعاءات كاذبة يطلقها كثيرون ممن لا يريدون خيراً لسوريا ولا لغيرها في المنطقة، بل إن لعبة الصراع بين المصالح دفعت الكثيرين إلى تقمص أدوار مصطنعة واصطناع التباكي.
أما الحقيقة فهي غير ذلك، ولتجنب الأسوأ، يفترض على كل الأطراف العاقلة أن تسارع بإخماد هذه الفتنة ووأد الأحقاد الطائفية، التي جرى تجريبها سابقاً، وكان مآلها مراً ولم تجلب غير الفساد والدمار والإرهاب.
https://tinyurl.com/3ppdv84w