عادي
في شاعرية البصر

«النسخ» يسابق «الثلث» في إبهار العين

23:32 مساء
قراءة 3 دقائق
لوحة للفنان عبدالوهاب علي سيف

الشارقة: عثمان حسن

تعدّ الخطوط الكلاسيكية أو الأقلام الستة، وهي: (الكوفي، الرقعة، الديواني، المغربي، النسخ، والثلث)، من المجالات المعروفة والمقدرة من قبل الخطاطين العرب والمسلمين، الذين أنجزوا من خلالها الكثير من اللوحات الخطية الشهيرة.
في خطي الثلث والنسخ، يبرز عدد من الخطاطين العرب الذين أنجزوا تجارب خطية مهمة في هذين النوعين، حيث النسخ يجمع بين الرصانة والبساطة، وهو من أجمل الخطوط العربية، والأكثر استخداماً، حيث كُتبت به كتابة القرآن الكريم
يعتبر الثلث من أشهر الخطوط وسمي بهذا الاسم لأنه يأتي بسمك ثلث قطر القلم، وهو أيضاً من أصعب الخطوط العربية من حيث القواعد والموازين، كما يمتاز بالمرونة ومتانة التركيب وبراعة التأليف.. ومن هؤلاء الخطاطين يبرز اسم اليمني عبد الوهاب علي حسن سيف الذي حصل على عدة جوائز في هذين الخطين، وكانت له مشاركة في معرض دبي الدولي للخط العربي في دورته العاشرة.
قدم عبد الوهاب في هذا المعرض لوحة مميزة بالثلث والنسخ، استخدم فيها ثلاث آيات من القرآن الكريم من سورة آل عمران وهي: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ، وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ، وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ..».
اختار عبد الوهاب الشكل المستطيل لإنجاز هذه اللوحة، وجعل متن النص القرآني موزعاً داخل مستطيلات أربعة (اثنان بحجم كبير واثنان بحجم أصغر) مبتدئاً بمستطيل خامس بحجم صغير خصصه للبسملة التي جاءت على نحو جميل ومتقن بالخط الثلث.
ابتدأ عبد الوهاب النصّ الديني في مستطيل كبير بالآية «يا أيها الذين آمنوا» حتى وصل إلى كلمة (شفا)، وأنجز هذا الجزء مراعياً جماليات خط النسخ، ثم واصل ترتيب هذه الآيات واختار العبارة الدينية (حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا) وجعلها بالخط الثلث، ثم واصل في مستطيل كبير بقية النص القرآني مبتدئاً بكلمة (كذلك) حتى كلمة (البينات) بالخط النسخ، ليختتم بالثلث بقية النص القرآني في مستطيل أصغر حتى كلمة (عظيم).
إضافة إلى خصائص وجماليات الشكل والمضمون في الثلث والنسخ، استخدم عبد الوهاب في تكوينه الخطي الزخرفة الإسلامية النباتية، حيث وشى (البسلمة) بجزء من هذه الزخرفة التي بدت ظاهرة في حضن كلمة (بسم) وواصل الزخرفة في المستطيلين الكبيرين من جهتي اليمين واليسار، وبشكل متناسق وجميل من خلال اللون البني وتدرجاته، وقد قام بوضع ما أنجزه من خط داخل إطار جميل باللون البني كذلك، كما حرص على تزيين هذا الإطار من جهاته الأربع بالزخرفة النباتية، التي عكست بدورها فكرة التراث الفني للحضارة الإسلامية، بما فيه من روحانية وجمال فني بديع، وقد حرص الخطاط في هذه التحفة الآسرة من (الخط والزخرفة) على وضعها داخل إطار أعرض باللون الأسود.
من جهة ثانية، كان المزج بين خطي النسخ والثلث في هذا التكوين الخطي والزخرفي، قد وازن كما هو واضح في اللوحة التي أمامنا بين عدة عناصر، من حيث جمال وحلاوة ووضوح وبساطة خط النسخ، مضافاً إليه جماليات امتدادات الحروف واستطالتها واستدارتها ومطها في الخط الثلث.
إضاءة
ولد عبد الوهاب علي حسن سيف في عام 1992، بدأ دراسة الخط في الثامنة من عمره على يد بعض الخطاطين، ومعتمداً بشكل كبير على الكتب والكراسات، ليحصل لاحقاً على شهادة امتياز في الخط من «دار الفنون» في صنعاء، في عام 2014، وانتقل إلى إسطنبول ليوسع خبراته في مجال الخط والتحق بمركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية «إرسيكا».
عمل مدرساً للخط في بلده إضافة لعمله كمدير لمركز «دار الفنون» وحصل على العديد من الجوائز، منها: جائزة المركز الأول في خطي النسخ والثلث في مسابقة الفنون الكلاسيكية لعامي 2015 و2017 في إسطنبول، وعلى المركز الأول في خطي النسخ والثلث في مسابقة أساتذة المستقبل عام 2016.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"