المرأة والتحولات النفسية

03:22 صباحا
قراءة 15 دقيقة
تحقيق: لبنى بولحبال
يتعرض الإنسان في منتصف العمر إلى تحولات جسمانية ونفسية عدة، وهذا أمر طبيعي في إطار دورة حياته، كما أنها تكون في بعض الجوانب جزءاً من عملية النضج والوعي، حيث يختبر الإنسان خلالها العديد من المشاعر والتغيرات غير المريحة نتيجة التغيرات البيولوجية الجسمية، وتغير في الأدوار الاجتماعية وزيادة المسؤوليات، والتغيرات النفسية المرتبطة بها .
بالنسبة إلى المرأة، فإن التغيرات التي تحدث لها خلال مراحل حياتها المختلفة، تجعلها تعيش مجموعة من التحولات النفسية والجسمانية والاجتماعية المختلفة .
وتشير التقديرات إلى أن المرأة تشكل 60-70% من المترددين على العيادات النفسية بسبب ما تواجهه من هذه التحولات في مرحلة منتصف العمر وما بعدها .
فهل سبب ذلك هو التكوين البيولوجي ذو الإيقاع المتغير من طمث شهري إلى حمل إلى ولادة إلى رضاعة إلى انقطاع الطمث وما يصاحب هذه التغيرات من مظاهر فسيولوجية وانفعالية؟
أم أن الوضع الاجتماعي للمرأة هو الذي يضعها تحت ضغوط مستمرة ومتعددة تؤدي في النهاية إلى إصابتها بالعديد من الاضطرابات النفسية والعصبية والجسدية؟
أم أن المرأة أكثر قدرة على التعبير عن معاناتها النفسية وأكثر شجاعة في طلب المساعدة الطبية، في حين يعجز الرجل عن التعبير ويخجل من طلب المساعدة أو يتعالى؟

المرأة والأمراض النفسية

يرى الدكتور مدحت الصباحي، استشاري الطب النفسي في مدينة الشيخ خليفة الطبية، أن المرأة قبل المراهقة تكون أقل عرضة للاضطرابات النفسية ذات الصلة بالنمو العصبي، ولكن إذا تتبعناها في مراحل نموها التالية نجدها تمثل أغلبية المرضى النفسيين من حيث العدد، ومن حيث احتياجهن للرعاية النفسية، وقد بينت معظم الدراسات المجتمعية ازدياد نسبة الاضطرابات النفسية في النساء خاصة الاضطرابات النفسية البسيطة .
وأضاف: "هناك بعض الاضطرابات التي تكاد تكون أكثر التصاقاً بالمرأة مثل اضطرابات الأكل، والاكتئاب، والاضطرابات النفسجسمية، واضطرابات الجسدنة، في حين أن اضطرابات الفصام وإدمان الكحول والمخدرات تكون أكثر التصاقاً بالرجل، وإذا كانت المرأة سيئة الحظ مع الاكتئاب (2:1 بالنسبة إلى الرجل)، فإنها تبدو أحسن حظاً مع الفصام (الشيزوفرينيا)، حيث وجد أنها أقل إصابة به، إضافة إلى أن شدة المرض تكون أقل، وتكون استجابتها للعلاج أفضل، ويبدو أن هذا يرجع لاختلافات جينية تؤدي إلى اختلافات في الحساسية للدوبامين .

اضطرابات الدورة الشهرية والحمل

ولفت الدكتور مدحت الصباحي إلى الاضطرابات النفسية لدى المرأة، التي تكون على شكل كدر ما قبل الدورة الشهرية، موضحاً أن هذه الحالة تصيب 40% من النساء، وأن 2- 10% من النساء يحتجن لمساعدة طبية .
وأكد أن الموقف الديني والاجتماعي له يلعب دوراً في التأثير في شدة هذا الاضطراب ومساره، لكنه أشار إلى إمكانيات العلاج من الدعم النفسي إلى العلاج الدوائي مروراً بالرياضة البدنية في مواجهة هذه الحالة .
أما الاضطرابات النفسية أثناء الحمل، فتتمثل في الاتجاهات نحو الحمل، والارتباط النفسي بين الأم والجنين، وسيكولوجية زوج المرأة الحامل، وتأثير الحمل في العلاقة الزوجية، والحمل والعلاقة الجنسية، والاضطرابات النفسية المصاحبة للحمل (بيكا، الوحم، الحمل الكاذب، القيء أثناء الحمل) .

اكتئاب ما بعد الولادة

وتحدث الدكتور مدحت عن اضطرابات ما بعد الولادة، موضحاً أن حالة اكتئاب تحدث لنحو 50% من النساء بعد الولادة بأيام قلائل في صورة اعتلال مزاج وسرعة بكاء وشعور بالتعب وقلق وسرعة استثارة، وتقل حدة الأعراض مع الوقت ولا تتطلب سوى الطمأنة والدعم النفسي من الأسرة .
أما ذهان ما بعد الولادة، فيحدث في 1-2 من كل ألف ولادة، وتكمن خطورة هذا الاضطراب النفسي في أن 5% من المريضات يقمن بالانتحار، في حين أن 4% يقمن بقتل أطفالهن، أي أن 9% من الحالات يحملن خطر الموت (للأم أو للطفل) .
ومن الناحية الإكلينيكية يكون ذهان ما بعد الولادة قريباً من الاضطراب الوجداني ثنائي القطب، أو الاكتئاب الجسيم المصحوب بأعراض ذهانية، وهو يحدث في أي وقت في السنة الأولى بعد الولادة، والوقت المتوسط لحدوثه هو من أسبوعين لثلاثة بعد الولادة، أما الوقت الأكثر توقعاً فهو ثمانية أسابيع بعد الولادة .
ويعتقد أن هذا الاضطراب يحدث نتيجة التغيرات الهرمونية السريعة بعد الولادة، أو الضغط الجسدي والنفسي لعملية الولادة، أو الإصابة ببعض الأمراض مثل تسمم الحمل، أو بعض العوامل النفسية والاجتماعية .
وحين يتم تشخيص هذا الاضطراب، يجب أن يؤخذ الأمر بجدية شديدة، حيث إنه يعد أحد الطوارئ النفسية التي تحتاج إلى عناية خاصة، وربما تحتاج لدخول المستشفى، والتعامل معه بمضادات الاكتئاب ومضادات الذهان والليثيوم وغيرها .

الاكتئاب ونوبات الهلع

وأشار إلى أن المرأة عرضة لمعاناة الاكتئاب أكثر من الرجل بنسبة 2:،1 وربما يكون السبب وراء ذلك هو تكوينها العاطفي، أو خبرات التعلق والفقد الكثيرة في حياتها، أو التغيرات البيولوجية المتلاحقة، أو العمل المستمر بلا راحة، أو كل هذه الأسباب مجتمعة .
كما أن المعاناة النفسية عند المرأة تتحول بلا وعي لأعراض جسمانية كي تأخذ مشروعية الشكوى، وبالتالي العلاج والمساعدة، خاصة في مجتمعات لا تعترف بالمعاناة النفسية، وتعتبرها ضعفاً في الشخصية أو الإيمان، أو أن المرأة لسبب أو لآخر لا تستطيع التعبير عن مشاعرها، فيتولى جسمها هذه المهمة عنها، وبذلك تكون الأعراض الجسمانية صرخة استغاثة لمن يهمهم الأمر فعلاً أو نداء قرب للزوج أو للأولاد .
وأوضح أن المرأة قد تصاب أيضاً بنوبات من الهلع، وهي حالات تكون مفاجئة ومزعجة جداً، وتأتي في صور مختلفة أهمها الشعور بالاختناق، وسرعة ضربات القلب أو هبوط حاد ومفاجئ في القلب، بحيث يبدو أنه قد توقف أو كاد أن يتوقف، أو برودة وتنميل في الأطراف وعرق غزير، أو ضعف في اليدين والقدمين مع الشعور بفقد التوازن واحتمالات السقوط، وتشعر المريضة بأنها على وشك الموت أو بأنها تموت فعلاً، أو بأنها على وشك فقد السيطرة أو الجنون، ولهذا فإنها تهرع إلى أقرب مستشفى أو طبيب حيث يقال لها بعد عمل الفحوص إنها سليمة تماماً، ولكنها لا تهدأ ولا تستريح، لأن النوبة تباغتها في أي وقت، وفي أي مكان فتهدد سلام حياتها، وتلزم بيتها وتصاب بالاكتئاب . وللأسف الشديد يتأخر ذهاب هذه المريضة للطبيب النفسي وتدخل في دوامة الفحوص والتحاليل وتتردد على أطباء القلب والباطنية والصدر من دون جدوى، مؤكداً أن علاج هذه الحالة بسيط وميسر على الرغم من إزعاجها ودراميتها .

أزمة منتصف العمر

وأكد الدكتور مدحت الصباحي أن أزمة منتصف العمر تحدث لكثير من النساء في بداية الأربعينات، وأحياناً قبل ذلك، حين يكبر الأبناء وينصرفون لحياتهم، وحين ينشغل الزوج بمسؤولياته، وتجد المرأة نفسها وحيدة فتستغرق في التفكير في ماضيها وتشعر بالأسى والأسف على أشياء فاتتها، وعلى أشياء فعلتها، ثم تنظر إلى حاضرها فتجده أقل بكثير مما كانت تحلم به، فزوجها الذي عاشت معه لم يكن أبداً هو فارس أحلامها، وأبناؤها الذين ضحت من أجلهم لم يحققوا طموحها، ولم يشعروا بتضحيتها، وشبابها الذي كانت تعتز به وتركن إليه قد بدأ يتوارى، وجمالها قد أخذ في الذبول، ثم تنظر إلى المستقبل فتشعر بالخوف والضياع .
وقال إن النساء يختلفن في مواجهتهن لهذه الأزمة، فهناك نساء ناضجات يتقبلن الأمر بواقعية، وتمر الأزمة بسلام، خاصة حين تدرك نجاحاتها السابقة كأم وكموظفة وكزوجة، وتعترف بالمرحلة العمرية التي تمر بها وتحاول رؤية مميزاتها والاستفادة منها .

أعراض مختلفة

من جانبها، لفتت الدكتورة نضال العطية، استشارية الجراحة النسائية والتوليد في مستشفى النور في أبوظبي، إلى أن أعراض الاضطرابات النفسية التي تظهر على المرأة تختلف من سيدة إلى أخرى، ومن عرض إلى آخر . فهناك أعراض تتمثل في جفاف المهبل، وعدم انتظام التبويض، واضطرابات النوم، وتقلب المزاج، والأرق، وتورم منطقة الكتف، وجفاف الجلد .
وقالت إن تقلبات المزاج تعد من الأمراض المهمة التي تكثر عند السيدات في المرحلة العمرية التي تتعدى الأربعين، وتتراوح بين القلق والاكتئاب حتى يصل إلى اضطراب ثنائي القطب (نوبات الاكتئاب والفرح الشديد)، لذلك يجب مراعاة هذه المرحلة جيداً، وتوخي الحذر في التعامل مع المرأة، وتوعية الأهل بما يجب فعله أثناء مواجهة ذلك .
أما الاكتئاب فقالت إنه يصيب نحو 20% من السيدات، خاصة بعد انقطاع الطمث، وتزيد النسبة في حال وجود نوبات اكتئاب سابقة، كما يعمل هرمون الاستروجين على زيادة فاعلية هرموني السيروتونين والنورأدرينالين المسؤولين عن تحسين المزاج لدى المرأة، وعند انخفاض فاعلية هذين الهرمونين يؤدي ذلك إلى تعكر المزاج، وفقدان أو زيادة في الشهية، والإرهاق، والقلق، وزيادة العصبية، والخمول الحركي الكامل، وقد يتسبب في انخفاض فاعلية الغدة الدرقية أيضاً للسيطرة على الاكتئاب وزيادة الوزن، ولذلك نصحت السيدات بإجراء فحص .
وعن الأعراض الأخرى، قالت الدكتورة نضال العطية: إن ما يتراوح بين 41-50% من السيدات يصبن باضطراب النوم بسبب قلة الاستروجين وقلة التبويض، مشيرة إلى أن هرمون الاستروجين يعتبر مسؤولاً على تحسين نوعية النوم، كما أن ارتفاع هرمون "LH" الذي تفرزه الغدة النخامية مسؤول عن ارتفاع درجة حرارة الجسم، ما يؤثر سلباً في عملية النوم، من خلال ارتفاع نوبات انقطاع التنفس في الليل بسبب انخفاض مستوى هرمون البروجسترون المسؤول عن تنظيم التنفس ويقل بعد انقطاع الطمث .
وفيما يتعلق بالهبّات الساخنة التي تعانيها النساء بعد انقطاع الطمث (سن اليأس) في العادة، قالت الدكتورة نضال العطية إن هذه الهبّات أو التوهجات الساخنة تعد من الأعراض التي تصيب نحو 65 - 75% من النساء حتى قبل انقطاع الطمث، وتتمثل أعراضها في احمرار الوجه والصدر، والشعور بالسخونة، والتعرق، وتسارع دقات القلب، وإحساس بالتنمل بالجلد، ما يؤدي إلى الأرق وعدم الارتياح .
وقالت إن جفاف المهبل يعتبر مزعجاً لكثير من السيدات، ما يؤدي إلى تجنب العلاقة الحميمية أو كرهها، وذلك بسبب نقص هرمون الاستروجين الذي يتسبب في زيادة الالتهابات المهبلية .
أما انخفاض الخصوبة فهي من الأعراض التي تظهر قبل الدخول في مرحلة انقطاع الطمث، سببها قلة التبويض وتعتبر من الحالات الطبيعية، أما هشاشة العظام أو فقدان كثافة العظام من الأعراض التي تصيب النساء في هذه المرحلة وذلك بسبب قلة هرمون الاستروجين والمسؤول عن تنظيم حركة الكالسيوم في الجسم .

أهمية التشخيص والفحص

وأكدت الدكتورة نضال العطية أهمية التشخيص الذي يتمثل في إجراء فحص الدم لمعرفة حركة الهرمونات، وقالت إن زيادة الهرمون قد تكون وراثية أو مناعية .
واشارت إلى تأثير انخفاض إفراز هرمون "FSH"، وقالت إن على السيدات اللواتي لا يملكن أية أعراض عليهن الفحص أيضاً للتأكد من عدم انخفاضه .
وترى الدكتورة نضال أن تغيير نمط الحياة هو من الأساليب العلاجية "التي نحفز الكثيرات على اتباعها عوضاً عن الهرمون البديل"، موضحة أن العلاج قد يكون استخدام الهرمون البديل أو تغيير نمط الحياة .
وقالت إن هذه الحالة الفسيولوجية التي تمر بها المرأة تعالج من بدء أعراضها بالأدوية وتغيير نمط الحياة .
وأوضحت أن تغيير نمط الحياة يشمل التفاصيل المهمة مثل تخفيف الملابس، والميل للبس القطنيات، والإكثار من السوائل، حتى لا تفقد المرأة ليونتها وتصاب خلايا جسمها بالجفاف، والتقليل من المنبهات مثل الشاي والقهوة .
أما الأدوية فيتم صرف استخدام هرمون الاستروجين، ولكن بالحد الأدنى له وذلك لمخاطر استخدامه المفرط . ونصحت في هذه الحالة باستخدام الاستروجين النباتي أو البديل (فول الصويا، حليب فول الصول)، باعتبار أنه قليل أو عديم المخاطر، أما في حال وصول المرأة إلى الاكتئاب أو ثنائي القطبين فيتم وصف لها مضادات الاكتئاب، وذلك عند الاضطرار والضرورة .
وأشارت إلى أهمية دور الأهل في تقديم الدعم المعنوي وتفهم الحالة التي تمر بها المرأة . وقالت إن هذه الأعراض قد تتعرض لها أي امرأة في هذا السن، ولذلك يجب أن تجد المرأة من أهلها كل الدعم والحب والحنان والاهتمام لمساعدتها على تخطي الأعراض بسلام من دون آثار جانبية، كما يجب على العيادات والأطباء والمستشفيات نشر التوعية للأهل وتعريفهم بالمراحل التي تمر بالمرأة والأعراض حتى يكون هناك تعاون في تخفيف آلام المرأة النفسية والجسدية .

مرحلة اليأس والعقم

من جهتها، تحدثت بدرية الكندي الاختصاصيية النفسية لدى جناح العلوم السلوكية، ومديرة العيادات الخارجية، ومديرة قسم الجودة في مدينة الشيخ خليفة الطبية، عن الاضطرابات النفسية التي تعانيها المرأة بعد مرحلة ما بعد انقطاع الطمث، أو سن اليأس، كما تناولت موضوع المرأة والعقم، وقالت إنه نتيجة لانخفاض مستوى الهرمونات الأنثوية، خاصة الاستروجين، تحدث بعض الأعراض النفسية مثل الاكتئاب والقلق مصحوبة ببعض الاضطرابات الفسيولوجية كالإحساس بالسخونة، وما يتبع ذلك من إحساس بالبرودة والعرق الغزير، والإحساس بالصداع والحرقان والسخونة في قمة الرأس مع اضطراب في النوم والشهية للطعام، وأحياناً تكون الأعراض بسيطة وتمر بسلام وتخف حدتها مع الوقت، وأحياناً أخرى تكون شديدة ما يستدعي العلاج الطبي والنفسي .
واكدت أن العلاج التعويضي بالهرمونات يحسن الحالة الجسدية والجنسية، ولكنه لا يؤثر بشكل مباشر في الحالة النفسية .
وأشارت إلى أن 60% فقط من حالات العقم تصيب المرأة في حين أن 40% من تلك الحالات تصيب الرجال، ومع هذا يقع اللوم والعبء النفسي على المرأة وحدها، وقد بينت الدراسات أن 80% من حالات العقم لا يوجد سبب عضوي يفسرها، وأن نسبة كبيرة من هذه الحالات تكمن وراءها عوامل نفسية .

تأثير الحالة الاجتماعية

وأوضحت الدكتورة بدرية الكندي أن الحالة الاجتماعية المرأة قد تؤثر أيضاً في نفسيتها، فالمرأة المطلقة تعاني آثار الطلاق، ثم تعاني نظرة المجتمع لها على أنها فاشلة، ثم تعاني شكوكه في سلوكها على أنها أكثر قابلية للغواية، ثم تعاني حرمانها من إشباع حاجاتها العاطفية والجنسية والأسرية، ثم تعاني مسؤولية العناية بالأبناء، أو تعاني الحرمان منهم، وكل هذه الأمور تحتاج إلى الكثير من المراجعات والرؤية الإيجابية للمطلقة وإزالة الوصمة عنها .
وقالت إن المعاناة ذاتها تنطبق على الأرملة حيث ينسى الجميع احتياجاتها، ويعتقدون أنها قد ماتت، أو على الأقل ماتت مشاعرها واحتياجاتها منذ مات زوجها، ولذلك تعاني حرماناً عاطفياً وجنسياً بقية حياتها، إضافة إلى حرمانها الاقتصادي والاجتماعي هي وأولادها، ويصبح من العار عليها أن تفكر في نفسها أو في احتياجاتها في مثل هذه الظروف، ولذلك نحتاج كمجتمع لأن نعيد النظر في موقفنا من الأرملة وموقفها من الحياة .
أما الثكلى فكثيراً ما تقع فريسة للاكتئاب أو القلق أو كليهما من دون أن يدري بها أحد على اعتبار أن حزنها يبدو منطقياً، ولكن الأمر في هذه الحالات يتجاوز حدود الحزن المعتاد إلى الاكتئاب المرضي الذي يحتاج بالضرورة إلى تدخل طبي نفسي .
وتحدثت عن اللواتي يضطر كثير من أزواجهن للاغتراب والعمل خارج البلاد تحت وطأة الظروف الاقتصادية الخانقة، ويتركوهن يعانين الوحدة والفراغ، ويقاسين صعوبة تربية الأبناء والسيطرة عليهم، ولهذا تجد زوجة المسافر نفسها تفقد أنوثتها شيئاً فشيئاً، وتكبت احتياجاتها العاطفية والجنسية، وتكتسب صفات الذكورة كي تستطيع السيطرة على حياتها وعلى أبنائها وعلى نفسها، وحين يقرر الزوج أن يعود يجد نفسه غريباً في أسرته، وتجد المرأة نفسها غير قادرة على تغيير برنامج حياتها وحياة أبنائها، فيقع الشقاق ويحدث الطلاق بعد كل هذا العذاب والحرمان .

العنف ضد المرأة

ولفتت الدكتورة بدرية الكندي إلى نوعين من العنف الجسدي والنفسي، وقالت إن نسبة كبيرة من النساء حتى في الدول المتقدمة من 50-70% ما زلن يتعرضن للعنف الجسدي والضرب من أزواجهن بدرجات مختلفة يصل بعضها إلى الموت أحياناً . واعتبرت العنف السلبي(النفسي) أكثر انتشاراً، ويتمثل في الإهمال والتجاهل والتحقير والإلغاء والقهر والاستعباد والعناد والمكايدة من جانب الزوج، وهذا العنف السلبي يكمن وراء الكثير من الاضطرابات النفسجسمية واضطرابات الجسدنة لدى المرأة .
وعن تأثير المرض النفسي للمرأة في الأسرة، قالت: "الأسرة هي الوحدة الاجتماعية الأهم، وهي الحضن للأطفال والسكن للزوج والملاذ الآمن والغطاء الواقي والحضن الدافئ للجميع، وفي قلب هذا الكيان الدافئ الحنون نجد الأم، فهي في مركز الدائرة الحنونة والراعية وبدونها لا تكون هناك أسرة، وبغيابها تغيب مصطلحات الحب والحنان والدفء والرعاية، ولذلك إذا حدث اضطراب نفسي لأي فرد من أفراد الأسرة فإن المرأة تتحمل العبء الأكبر وتشكل خط الدفاع الأول والأساسي للرعاية والاحتواء مثل (الشيخوخة لدى الزوج، الإدمان لدى الابن، الانحراف السلوكي لدى البنت) . لكن الكارثة الأكبر تقع حين تتزلزل الأم ويتصدع بنيانها، أي حين تصاب هي نفسها بمرض نفسي، فهنا يهتز المركز، ويصبح البنيان الأسري بأكمله معرضاً للتناثر، ذلك أن القوة الرابطة ممثلة في الأم قد اهتزت، فكيف نتخيل حال الأسرة، وقد أصيبت الأم بالفصام (الشيزوفرينيا) مثلاً؟ واضطربت بصيرتها؟ واختل حكمها على الأمور؟ وتشوه إدراكها؟
كيف وهي في هذه الحالة تقوم بإدارة بيتها ورعاية زوجها وأطفالها؟
أو كيف نتخيل حال الأسرة وقد أصيبت الأم بالاكتئاب الذي يجعلها عاجزة عن فعل أي شيء لنفسها فضلاً عن غيرها؟ ويجعلها كارهة كل شيء حتى نفسها وأطفالها وزوجها بعد أن كانت هي منبع الحب والحنان؟
ولذلك، فإن إصابة الأم بالمرض النفسي يعتبر بكل المقاييس كارثة متعددة الأبعاد تستدعي رعايتها في المقام الأول وبسرعة وفاعلية مع رعاية أفراد أسرتها الذين افتقدوا قلب الأم وروحها ويدها الحانية .

معوقات العلاج

وأشارت الدكتورة بدرية الكندي إلى بعض المعوقات التي تحول دون تلقي المرأة للعلاج ومنها:
حاجة المرأة للحصول على إذن من زوجها أو أقاربها كي تذهب للعلاج، بينما هم ينكرون بشكل ما المرض النفسي، أو يخافون من وصمته، أو يعتبرونه ضعفاً في الإرادة أو الإيمان .
كثرة اللجوء للمعالجين الشعبيين والدجالين، حيث ترجع المرأة مرضها في كثير من الأحيان إلى مس الجن أو السحر أو الحسد .
ظهور الكثير من الاضطرابات النفسية لدى المرأة في صورة أعراض جسمانية . بعض الاعتبارات الاجتماعية تجاه الاضطرابات النفسية، خاصة إذا ارتبطت بشبهة الانحراف الأخلاقي مثل الإدمان واضطراب الشخصية وحالات الهوس والفصام .
إمكانية تعرض المرأة للاستغلال أو الابتزاز خلال مراحل العلاج .
عدم وجود أماكن علاجية كافية ومناسبة لاحتواء المرأة حتى تشفى .
وللتغلب على هذه المعوقات دعت الدكتورة بدرية الكندي إلى أهمية إنشاء فرع طب نفس المرأة كتخصص فرعي في الطب النفسي، مشيرة إلى أن مدينة الشيخ خليفة الطبية في أبوظبي كانت سباقة في هذا المجال بتدشين عيادة "الصحة النفسية للمرأة" في جناح العلوم السلوكية .
كما دعت إلى تشجيع الدراسات والأبحاث في الاضطرابات النفسية للمرأة، وذلك لزيادة الوعي بها، وعمل دورات منتظمة للأطباء العاملين وأطباء الأسرة وأطباء النساء والتوليد لزيادة وعيهم بالاضطرابات النفسية لدى المرأة، وزيادة الوعي العام باحتياجات المرأة النفسية، وأيضاً الاضطرابات التي تصيبها وذلك من خلال وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية ومن خلال الإنترنت، وتشجيع الجمعيات الأهلية غير الحكومية على العناية بالنساء من كل الجوانب الطبية والنفسية والاجتماعية وتشجيع قيام مجموعات المساعدة الذاتية .

ما هي الصحة النفسية؟

ينص دستور منظمة الصحة العالمية على أن "الصحة هي حالة من الرفاهة الجسدية والعقلية والاجتماعية وليست مجرد غياب المرض أو العجز . والصحة النفسية هي جزء أساسي ومتكامل من الصحة . وكما أن الصحة ليست مجرد غياب المرض، فإن الصحة النفسية ليست مجرد غياب المرض النفسي أو العقلي، وإنما هي حالة إيجابية من الراحة النفسية .
ويمكن تفسير الصحة النفسية على أنها التوازن الكامل في تكوين الفرد بجوانبه البيولوجية والاجتماعية والنفسية" .

المرأة تحتاج إلى عناية صحية خاصة

تحتاج المرأة في ظل المتغيرات الكبيرة التي يشهدها العالم إلى عناية صحية خاصة، بسبب اختلاف تكوينها الجسدي والنفسي، خصوصاً أن العديد من التقارير والأبحاث، قد أشارت إلى أن المرأة بشكل عام تمر بالعديد من التغيرات الحيوية المختلفة، التي تحتاج إلى رعاية واهتمام خاص بسبب تقدم السن .
وقد خلصت العديد من الدراسات إلى أن نشاط وحيوية وقوة المرأة تتأثر بعوامل كثيرة مثل الهرمونات الأنثوية والعادات الغذائية والنشاط الحركي، وكذلك العوامل النفسية التي قد تكون من أهم العوامل التي لها ارتباط بحياة وسلامة المرأة بعد سن الأربعين .
ولعل أهم تلك العوامل التي تتأثر بها المرأة بعد سن الأربعين كما تشير الدراسات العلمية هي:
اضطرابات النوم مثل الأرق وقلة الخلود للنوم .
اضطرابات الدورة الشهرية حيث تحدث لها بعض المتغيرات مثل طول أو قصر أو اختلاف كميتها أو انقطاعها لفترة من الوقت .
ظهور التجاعيد في البشرة والوجه، حيث يبدأ محتوى البشرة من الكولاجين (بروتين الوجه) في التناقص، ما يؤدي إلى نحافة الجلد والذي تصاحبه تجاعيد . تغير تركيبة الوجه، حيث تصبح ذات طابع دهني، وظهور ترهلات في مناطق مختلفة في الجسم وغيرها من الأمور والمشكلات الصحية الأخرى، التي قد تتفاقم بشكل خطر جراء اتباع بعض العادات والسلوكات الغذائية الخاطئة، أو بسبب الإدمان على المشروبات أو التدخين وغيرها من العادات السيئة الأخرى التي تضر بصحتها .
وقد أسفرت الدراسات المتعلقة بتأثير أساليب الاسترخاء في أعراض انقطاع الطمث عن نتائج متضاربة حتى الآن، ولكن دراسة من السويد أيدت هذا الأسلوب بوصفه بديلاً للعلاج بالهرمونات .
وذكر باحثون في دورية "انقطاع الطمث" أن نساء ممن انقطع طمثهن وقمن بالتدريب على الاسترخاء قبل وأثناء بداية الهبات الحرارية استطعن تقليص تكرار تلك الهبات إلى النصف خلال التجربة التي استمرت ثلاثة أشهر . ويعتقد أن العلاج البديل بالهرمونات يساعد من خلال تحقيق استقرار تذبذب الهرمونات خلال السنوات السابقة واللاحقة لانقطاع الطمث مباشرة، ولكن لا يتسنى لكل النساء تناول الهرمونات بسبب ظروف صحية أخرى أو عوامل خطر . ولا تريد كثيرات تناول الهرمونات بسبب الأخطار المحتملة للهرمونات نفسها .
وتقول كبيرة الباحثين لوتا ليند-استراند من جامعة لينكوبنج، إن "الاسترخاء التطبيقي يمكن استخدامه لمعالجة أغراض المحرك الوعائي (مثل الهبات الحرارية) في النساء بعد انقطاع الطمث" .

السمراوات أقل عرضة للإصابة بالاكتئاب

كشفت دراسة أمريكية حديثة أن النساء السمراوات أقل عرضة للمعاناة من الاكتئاب والصرع من النساء البيض .
ولتأكيد نتائج الدراسة التي نشرت نتائجها في مجلة جاما (JAMA) للطب النفسي، قام الباحثون بتحليل بيانات أكثر من 1400 من النساء السمراوات وأكثر من 340 من النساء البيض اللواتي شاركن في دراسة استقصائية وطنية، فوجدوا أن 10% فقط من السمراوات كن يعانين اضطرابات الصحة النفسية مثل الاكتئاب والصرع في مرحلة ما من حياتهن، مقارنة مع 21 في المئة من النساء البيض . وبالمقابل، كانت النساء البيض أكثر عرضة للإصابة باكتئاب شديد بالمقارنة بالسمراوات خلال سنة من بداية الدراسة، وكن يعانين اضطراب المزاج والصرع في مرحلة ما في حياتهن بنحو 22 في المئة مقابل ما يقرب من 14 في المئة بين السمراوات .
ووفقاً للدراسة، كانت السمراوات في المناطق الريفية أيضاً أقل احتمالاً من الموجودات في المدن للمعاناة من اضطراب المزاج في حياتهن بما يقرب من 7 في المئة، مقابل 14 في المئة، على التوالي .
وقال الباحثون إن هذه الدراسة تظهر الفرق من العرق واللون وتأثيرهما في الصحة العامة وفرص الإصابة بالأمراض والوقاية منها .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"